بدأ التسجيل ببرنامج حساب المواطن للأسر السعودية ومن شملها نظام البرنامج وفق الحالات التي لها الأحقية بالاستفادة منه ليكون بداية تطبيق فعلي لإعادة توزيع الدعم لمستحقيه بعد عقود كان يطبق بالطريقة الشاملة والتي قدر متوسط تكلفتها سنوياً بحوالي 300 مليار ريال لعام 2015 وقد قامت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية بتقديم معلومات واسعة عن آليات التسجيل بالبرنامج وطرق الاستحقاق والشرائح المستهدفة بأكثر من مناسبة باعتبارها المشرفة على تنفيذه لكن مازال الكثير من المعلومات بحاجة لتوضيح أكثر حول مدى قدرة البرنامج لتقديم الدعم لمستحقيه بعدالة تراعي ليس فقط الدخل وعدد أفراد الأسرة أهم عاملين لتحديد مقدار الدعم بل أيضاً الفروقات بتكاليف المعيشة بين مدن المملكة. فالبرنامج وضع الكثير من المعايير التي تساهم بتغطية أي ارتفاعات بالتكاليف المباشرة لرفع الدعم أو غير المباشرة من حيث التأثير على تكاليف المعيشة خصوصا لشريحة الأسر الأقل دخلاً التي يستهدفها والتي يقل دخلها عن 8600 ريال، كما اعتمد البرنامج معياراً لتقديم الدعم وهو "الاستهلاك الرشيد" ولا خلاف على ضرورة وضع مؤشر للاستهلاك يمثل أساساً لطريقة حساب الدعم وفق الاحتياج الفعلي للفرد وبالتالي للأسرة كونها المستهدفة بالبرنامج لكن السؤال الذي يطرح في تحديد الاستهلاك الرشيد للوقود هل أخذ بعين الاعتبار الفرق بين من يسكن المدن الكبيرة ومن يسكن المدن الصغيرة أو القرى وذات الأمر ينطبق على استهلاك الكهرباء فهناك فرق كبير بين المدن الباردة أغلب فترات السنة وعكسها من المدن الحارة باعتبار أن جلّ استهلاك الكهرباء بالمنازل هو من التكييف؟ فالاستهلاك الرشيد تم تعريفه بأنه استهلاك الأسرة منخفضة الدخل حيث يبلغ 398 لتر بنزين شهرياً لأسرة من ستة أفراد يمتلكون مركبتين أي أن معدل الاستهلاك للمركبة باليوم 6،6 لتر بنزين وبحسب معدل استهلاك الوقود لكل كيلو متر فإنّ كل 12،4 كم يكفيها لتر بنزين أي أن الكمية الرشيدة حسب البرنامج تكفي لحوالي 79،6 كم يوميا وفي المدن الكبيرة كالعاصمة الرياض أو جدة فإن مثل هذه المسافات يقطعها أغلب السكان يوميا مع ضعف دور وسائل النقل العام فهل يمكن أن يتساوى استهلاك أسرة بالرياض مع مدينة صغيرة بينما يصرف البدل نفسه لهما؟ أما في استهلاك الكهرباء فبحسب تقديرات البرنامج فإن استهلاك أسرة من ستة أفراد يصل شهريا إلى 2594 كيلو واط ساعة أي أن استهلاك الفرد حوالي 432 ك/ واط وباليوم 14 ك/ واط فهل أخذ بعين الاعتبار الفروق بالأجواء وطبيعة المناخ بين كافة مناطق المملكة وقد يكون قد أخذ بعين الاعتبار أن ذلك متوسط وتختلف أحجام الاستهلاك من فصل لآخر لكن يبقى للمناطق الحارة طبيعة استهلاكية عالية وتطبيق برامج تحسين الكفاءة للمنازل ليس أمراً بسيطاً بل معقد للمنازل القديمة أو التي لم يستخدم بها العزل الحراري وأيضا مكلفة على الأسر لتغيير الأجهزة الكهربائية للأفضل كفاءة مما يعني أن أي أسرة ستحتاج وقت طويل لتحسن بكفاءة استهلاكها. أما من ناحية شمول دخل الأسرة لتقدير حجم الدعم فقد يضاف دخل طلاب الجامعات وراتب الزوجة وأيضاً بعض المداخيل غير المستمرة كما هو حال الرواتب من الوظائف فهل ستتعرض الأسر لتغير كبير بمقدار الدعم نتيجة عوامل قد لا تعد دخلاًَ فعلياً يمكن الاعتماد عليه للأسرة وحتى مع المراجعة الدورية للبيانات فإن الإشكالية ستكون على رب الأسرة بتحمله كافة تكاليف أسرته فالزوجة غير ملزمة بالإنفاق من دخلها على الأسرة وأيضا دخل أو مكافآت الأبناء لا يمكن اعتبارها جزءا أساسياً لتقييم الدعم لكل حالة فلا بد أيضا من الأخذ بعين الاعتبار كافة الحالات وتحديد ما هو الدخل بالضبط الذي يحسب على أساسه الدعم ويصنف تحت أنواع الدخل المستقر وأن يكون الاعتماد بحساب الدخل المستحق وشريحته على دخل رب الأسرة من راتب الوظيفة دون أن يشتمل بدلات قابلة للإلغاء لانتفاء الحاجة لها مستقبلا كما حدث قبل أشهر لبعض بدلات موظفي القطاع العام حتى يحقق الهدف التعويضي المنشود لعدالة توزيع الدعم. كما أن البرنامج سيسجل تلقائيا الأسر المستفيدة من الضمان الاجتماعي والتي يقدر عددها عند 850 ألف أسرة وباعتبار أنهم من ذوي الدخل المنخفض فسيحصلون على أعلى مبلغ من الدعم سنوياً وفي العام الأول سيكون بمقدار 1200 ريال شهريا أي أنهم سيحصلون على 12،2 مليار من مقدار ما هو مخصص حسب ما جاء بالبرنامج بالعام الأول عند 20 إلى 25 مليار ريال أي أن بقية الأسر والتي هي أكثر من الأسر المسجلة بالضمان ستحصل على قرابة 50 % من اعتمادات العام الأول بحدها الأعلى وإذا ما عدنا إلى إحصائيات سابقة قدرت أن 60 % من دخل الأسر السعودية أقل من 8500 ريال و80 % أقل من 12500 ريال فإن أكثر من 2،5 مليون أسرة على الأقل من أصل حوالي 3،3 مليون أسرة حسب بعض الإحصاءات الرسمية إذا حسب راتب أو دخل رب الأسرة فقط سيشملهم الدعم فهل حسبت مخصصات البرنامج وإن كانت تقديرية إلى الآن بدقة حتى تغطي كل الأسر المستهدفة بالبرنامج ؟. أما من الناحية التي قد لا تظهر حالياً بشكل واضح وهي ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع تكاليف الإنتاج والمعيشة عموماً بعد رفع الدعم كلياً للطاقة والمياه عموماً حتى العام 2020م فهل تم إعداد خطط اقتصادية وإدارية موازية لاستيعاب الآثار التي ستترتب على ارتفاع التضخم وتكاليف المعيشة حتى يمكن معرفة هل مستوى الدعم المقدم سيكون كافياً بحده الأعلى التقديري عند 2000 ريال للأسرة بعد أربع سنوات؟ فقد ترتفع تكاليف المعيشة على سبيل المثال بالأساسيات كالمواد الغذائية والتعليم والصحة والخدمات بأكثر من التقديرات المتوقعة لدى راسمي خطة البرنامج وقياس آثاره فكيف سيتم التعامل مع هذه التغيرات بالتقديرات خصوصاً أن اغلب الاستهلاك المحلي مستورد وقد يشكل ارتفاع سعر صرف الدولار ارتفاعاً بالقوة الشرائية للريال مع استمرار الربط وتثبيت سعر الصرف لكن تبقى العوامل الداخلية التي ترفع التكاليف بسرعة وبمستويات عالية هي الأكثر احتمالاً خلال سنوات هيكلة الاقتصاد والدعم عموماً مما يعني أن وزارة العمل لابد أن توضح حقيقة التأثيرات ومدى استيعاب البرنامج لكل السيناريوهات السلبية حتى لا تحدث مفاجآت قد تتطلب إجراءات مكلفة أكثر وغير محسوبة بدقة. من المبكر الحكم على نجاح برنامج حساب المواطن الذي يعد أحد أهم البرامج بالإصلاح الاقتصادي لكن الأسئلة والاستفسارات تطرح قبل تنفيذه بعد أشهر قليلة ليتم الإجابة عليها لتوضيح تفاصيل البرنامج للعموم ولكي تكون تقديراته بحسابات الاستهلاك الرشيد وعدالة توزيعه بالمستوى الذي يهدف له البرنامج ويحقق الغايات التي أقر لأجلها ويساهم باستمرار دور الأسرة والفرد الاقتصادي بالإنفاق الاستهلاكي والاستثماري كونه يشكل أحد أعمدة القوة الرئيسية بنشاط الكثير من القطاعات الاقتصادية.