أولت المملكة قطاع التراث والثقافة اهتماماً بالغاً، وعملت خلال العقود الماضية على تطوير برامجه الحاضنة والقادرة على إيصال رسالة الإسلام والسلام وثقافة الجزيرة العربية وموروثها الأصيل؛ للعالم أجمع. شكل المهرجان الوطني للتراث والثقافة ركيزة البرامج الثقافية المؤسسية؛ التي اكتسبت عمقاً وتأثيراً وإزدهاراً وشمولية؛ خلال الثلاثة عقود الماضية؛ فهو تظاهرة تاريخية وطنية؛ وحاضنة لتاريخ وثقافة وقيم وتقاليد المملكة؛ وجسراً للتواصل الثقافي والإنساني. تؤكد رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود للمهرجان الوطني للتراث والثقافة «الجنادرية 31» على أهمية المهرجان؛ وقيمته ودوره في توثيق تاريخ المملكة وتعزيز ثقافتها وتراثها الوطني؛ وترسيخ الهوية العربية الإسلامية، ومساهمته في مد جسور التواصل مع العالم أجمع؛ والربط بين التاريخ الأصيل والحاضر الجميل ومستقبل المملكة المشرق. عادة ما ترتبط المهرجانات الثقافية بالمؤسسات المدنية المسؤولة عن إحياء التراث والثقافة؛ إلا أن وزارة الحرس الوطني؛ المؤسسة العسكرية الرائدة، كانت سباقة لرعاية المهرجان والوصول به إلى مستويات متقدمة من الانتشار والمشاركات النوعية للمفكرين والأدباء والمبدعين. تحولت بذرة الخير التي بذرها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز؛ رحمه الله؛ قبل أكثر من ثلاثة عقود؛ إلى شجرة وارفة الظل تزدان بثمارها المتنوعة؛ وعبقها الفواح؛ وتستمد قوتها من الدعم الاستثنائي والرعاية الكريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز؛ الراعي الأول للثقافة والفكر والتاريخ والأدب. أصبحت المهرجانات بأنواعها المحرك الرئيس للثقافة والتراث والحاضنة لهما؛ عوضاً عن كونها من أدوات الجذب السياحي؛ والتعريف بالمكتسبات والإنجازات الوطنية؛ ومد جسور التواصل مع الثقافات والمجتمعات الأخرى.. يشكل أطلس المهرجانات العالمية خارطة للسواح والمهتمين بحضور الفعاليات بأنواعها؛ ما يجعلها أداة من أدوات الجذب السياحي والتنمية الاقتصادية؛ قبل أن تكون جسراً لتلاقح الثقافات وإندماج الشعوب.. يمكن للمهرجانات النوعية؛ ومنها «الجنادرية» أن تشكل جسراً موثوقاً وكفؤاً للدبلوماسية الناعمة التي يتجاوز تأثيرها ما تحدثه الاجتماعات الرسمية. استقطاب مهرجان «الجنادرية» لزعماء ودبلوماسيين وعلماء ومفكرين وقادة رأي؛ وإقامة الندوات الفكرية المتخصصة، والمحاضرات وورش العمل يمكن أن يسهم في تعزيز الدبلوماسية الناعمة، وتحقيق الكثير من الأهداف الوطنية وتوثيق العلاقات وإعادة صياغة الصورة النمطية للمملكة. نجاحات مهرجان الجنادرية تدفعنا لإعادة طرح مقترح استدامته؛ لما في الاستدامة من إضافة نوعية لقطاعات مختلفة ومنها التراث والثقافة والتنمية المجتمعية والترفيه ودعم الحرفيين والأسر المنتجة؛ إضافة إلى تحول قرية الجنادرية إلى مركز جذب سياحي. الاستثمارات المالية الضخمة التي ضخت في موقع المهرجان من محفزات الاستدامة؛ وإذا ما أضفنا إلى ذلك حاجة منطقة الرياض للمواقع التراثية الجاذبة للسواح؛ والحاضنة للمناشط الثقافية والترفيهية بأنواعها؛ يصبح مشروع استدامة تشغيل قرية الجنادرية من الضروريات الملحة. صاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالله؛ وزير الحرس الوطني؛ أكد لقناة الإخبارية مناقشة فكرة استمرارية أنشطة الجنادرية طيلة العام؛ «إلا أن جمالها أنها تأتي في وقت ثم تنتهي». من المؤكد أن حولية المهرجانات من أساسيات إقامتها؛ وجمالها؛ وضمان زخم الحضور والجاهزية وكفاءة العمل فيها. التعامل باستقلالية بين المهرجان وقرية الجنادرية يمكن أن يحقق الحسنيين؛ إقامة المهرجان بشكله الحالي في كل عام؛ إضافة إلى استدامة تشغيل قرية الجنادرية وتحويلها إلى حاضنة للبرامج الثقافية والترفيهية المستهدفة. الفصل بين مهرجان الجنادرية الرئيس؛ والبرامج الخاصة؛ وبين استدامة تشغيل القرية؛ سيجعل من المهرجان السنوي تتويجا لعام من التشغيل المتواصل للقرية. من الممكن تشغيل القرية وفق نظام الاستثمار؛ وتحقيق دخل يسهم في تحمل تكاليف التشغيل الدائمة. مكاسب كثيرة تحققت من خلال إقامة مهرجان الجنادرية الذي بدأ قبل ثلاثة عقود بشكله المحدود؛ فما لبث أن تحول إلى جامعة تُراثية متنوعة قدمت إسهاماتها المتميزة في الفكر والثقافة التراث الوطني.