الأوضاع بمنطقتنا مازالت تمر بمنعطفات خطيرة ومعقدة، جعلت الكثير من المتابعين يحتارون في رسم الإطار العام لها وعن كيفية التخارج منها، وكلما طال الزمن زاد التعقيد حتى أصبحت نظرية بل نظريات المؤامرة هي السائدة. كل هذا حدث من حولنا ونحن نمسي على حال ونصبح على غيره، خصوصاً وأن اللاعب الرئيسي بالمنطقة إلى وقت قريب، اختار طوعاً أو كرهاً أن يلعب دوراً غير الدور الذي اعتدناه منه. من منا يصدق أن الأمريكيين اقتنعوا بين ليلة وضحاها أنهم لا يمكن أن يستمروا في لعب دورهم المعتاد لضبط النظام العالمي. كيف تفسر حالة الجمود أو الخذلان أو التقهقر هذه، هل هي حالة تكتيكية مخطط لها ضمن استراتيجية شاملة، أم هي ردود أفعال لأحداث لم نتوقعها أبداً. من منا يستطيع أن يؤكد مدى سلامة هذا الموقف من الأحداث، وهل يمكن الاعتماد عليهم لحماية النظام العالمي. كل هذه المقدمة ضرورية للانتقال إلى موضوع المقال المتعلق بالعلاقات السعودية الأمريكية، وإلى مقارنه منطقية للحقبة التي أتت بالرئيس رونالد ريجان والحقبة الحالية للرئيس المنتخب دونالد ترامب. عند انتخاب الرئيس ريجان كرئيس للولايات المتحدة، عُرف عنه من خلال الحملات الانتخابية التي سبقت انتخابه رئيساً، أنه كان مؤيداً لإسرائيل ولا يملك الاهتمام الكافي بالعالم العربي، وكانت فترة رئاسته التي بدأت في عام 1981م قد واكبتها أحداث عالمية مهمة في منطقة الشرق الأوسط، من قيام الثورة الإيرانية في العام 1979م وأزمة الرهائن الأمريكيين في نفس العام، ومن ثم قيام الحرب العراقيةالإيرانية في العام 1980م، واغتيال الرئيس أنور السادات في العام 1981م. لكن عندما بدأ الرئيس ريجان ولايته في العشرين من يناير من العام 1981م، حدث تغيير مهم في التوجهات السياسية نحو المنطقة وما يهمنا في هذا المقال هو طبيعة العلاقات مع السعودية. لقد تحول موقف الرئيس ريجان من حالة الدعم اللامحدود لإسرائيل واللامبالاة بالعالم العربي إلى اهتمام كبير، ولمن يتذكر كيف قام الرئيس ريجان بجهود خارقة لكي يمرر للسعودية صفقة الأسلحة المتقدمة جداً، والتي كانت تضم أهم وأفضل أنواع التسليح من طائرات الأواكس ومنظومتها المتكاملة إلى طائرات أف 15 المتطورة. لقد استخدم الرئيس ريجان في حينه كل أنواع الترغيب والترهيب لتمرير القرار في محاولات ماراثونية أثمرت أخيراً بموافقة الكونجرس رغم الضغوط الإسرائيلية القوية. الرئيس المنتخب ترامب خلال حملته الانتخابية استخدم مساراً مقارباً في توجهاته السياسية نحو المنطقة، وتأييده القوي لإسرائيل وعدم وضوح توجهاته نحو الدول العربية، وكان من أبرزها تعهده بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس. لكن كمتابع لما يجري في العاصمة الأمريكية الآن من إرهاصات المرحلة، ومن جلسات الاستماع التي تقوم بها لجان الكونجرس مع مرشحي الرئيس للمناصب المهمة، والتي تعنى بالشأن الخارجي من وزير الخارجية مروراً بوزير الدفاع ورئيس الاستخبارات المركزية الأميركية، يلحظ توجهاً لدى هؤلاء المرشحين بعودة السياسة الأمريكية إلى دعم حلفائها التقليديين وبداية فترة جديدة من الضغط على أعدائها التقليديين. لقد أبدى المرشحون الثلاثة موقفاً صارماً من الدول العابثة وأبرزها إيران المحتضرة، وهي ما يهمنا هنا كونها نعمت بفترة من الإنعاش في عهد الرئيس أوباما، ويبدو أن هذا الوضع مآله إلى الزوال وأن فترة من الضغوط عليها قادمة قد يتغير معها مشهد الأحداث بصورة كبيرة. المهم أن يتم تلقي هذا الموضوع بتخطيط وترتيب محكم من الساسة في منطقتنا، وأن يبنى عليها جهوداً مدروسة وممنهجة لكسب جولات مهمة في هذا الجانب. كما هي فترة تولي الرئيس ريجان الرئاسة التي حفلت بالكثير من الأحداث المهمة، ها هي فترة تولي الرئيس المنتخب ترامب الرئاسة تحفل بالكثير من الأحداث في المنطقة من العراق إلى سوريا واليمن حيث ورثت الإدارة الجديدة وضعاً مشابها. أعتقد من خلال متابعتي للأحداث في واشنطن، أن هناك فرصة كبيرة لبلورة موقف من المقاربة مع الإدارة الأمريكية الجديدة، مبنية على المصالح خصوصاً ونحن نعلم دوافع وتوجهات الرئيس المنتخب الاقتصادية لتقوية اقتصاد بلاده، ونحن في السعودية ومنطقة الخليج نملك الكثير من الأدوات يمكننا استخدامها في هذا الجانب لكسب جولات وإعادة الأمور إلى نصابها، وهو ما يفتقده الجار اللدود الذي يخسر مع الوقت مكتسباته المزيفة، وقد آن الأوان لكي يدفع المتهورون نتيجة أعمالهم.