عام الانتخابات الرئاسية دائمًا ما يكون عامًا متفردًا؛ ولكن 2016 يستدعي بعض المقارنات بعام 1980. في ذلك العام كانت أمريكا تئن من الحروب الخارجية المكلفة ، والاقتصاد كان في حالة خوف مع تصاعد الاستيراد وتراجع عدد الوظائف المهنية، وكانت الحكومات في كل من طهران وموسكو تتصرف بطريقة وجدها الأمريكيون مقلقة بصورة كبيرة، وتساءل الأمريكان إذا ما كانت أيامنا الجميلة قد ولت. هل يبدو ذلك مألوفًا الآن؟ في خضم الأزمات، يظهر مرشح يرعب بعض الناس ويفتن البعض الآخر بوعوده باستعادة القوة والرخاء الأمريكيين. كان هذا الرجل هو رونالد ريجان، والذي سيصبح بعد ذلك رئيسًا ناجحًا لدورتين رئاسيتين وأيقونة محبوبة لحزب الجمهوريين. اليوم نجد أن نظير ريجان الذي استقطب الأمريكيين هو دونالد ترامب، ومن السهل تخمين لماذا يعجب الكثير من الأمريكيين به كما أعجبوا بريجان في السابق. بالنسبة للناخبين من الطبقة العاملة المحافظة اجتماعيًا، وبخاصة البيض منهم، فقد كان شعار ريجان عام 1980 هو: «دعونا نجعل أمريكا عظيمة مرة ثانية». ربما تبدو المقارنة غير مقنعة لأولئك الذين يتذكرون الدور الذي لعبه ريجان في إحدى أفلامه مجسدًا لاعب كرة القدم الأمريكي «جيبر» وهو يبتسم، وكذلك في دور رجل الدولة الذي تمس خطبه شغاف القلوب. ولكن عندما ترشح أمام الرئيس جيمي كارتر وصفه النقاد بالجاهل المتهور أحادي الرؤية للعالم، والبارع في الوقت ذاته باستغلال المشاعر العنصرية. وقد صرح إيدي وليامز الذي كان ينتمي لإحدى مراكز الأبحاث المحترمة التابعة للسود في الولاياتالمتحدة أن الانتصار الساحق لريجان «عندما تفكر فيه في ظل المناخ الحالي من زيادة العنف وجماعة كوكلوكس كلان العنصرية البيضاء، فإن كل ذلك مخيف بشكل مرعب»، ومن ناحية أخرى خشي ناشطو السلام أن ريجان سوف يشعل حربا عالمية ثالثة. ويتذكر الكاتب المتخصص في السير الذاتية للمشاهير ستيفن هايوارد في كتاب «عصر ريجان» أن هناك من قارن بينه وبين هتلر. القوى التي تشكل الإغراء الأساسي لترامب لا تختلف كثيرًا عن تلك التي كانت في حقبة ريجان ودفعته إلى البيت الأبيض، ففي 1980 كانت العلة الأساسية للاقتصاد هي التضخم، واليوم تكمن العلة في ضعف التعافي من الركود الاقتصادي الذي ضرب البلاد. خلال فترة ريجان كانت المخاطر الخارجية ممثلة في نظام آية الله الخوميني في إيران، الذي اختطف أكثر من 60 أمريكيًا كرهينة، ثم الاتحاد السوفيتي، الذي غزا أفغانستان. كان كارتر يعتبر ضعيفًا وغير راغب في الحفاظ على المصالح الأمريكية، وهو الاتهام ذاته الذي يوجه الآن إلى الرئيس باراك أوباما. ولكن المقارنة خادعة؛ فالاختلافات بين ريجان في 1980 وترامب في 2016 كبيرة وعميقة أكثر من التشابهات بينهما. فريجان كان محافظًا دائمًا وبرؤية واضحة لما يعتقد أن الحكومة الفيدرالية ينبغي أن تفعله، معتمدًا على مجموعة من الأفكار الاقتصادية والسياسية، وكذلك على مجموعة من المستشارين من أعلى المستويات. أما ترامب فهو ليس محافظًا دائمًا ولا أي شيء آخر دائمًا؛ فيبدو أنه يستمع فقط إلى مجموعة صغيرة من المستشارين من أي وزن وأي مستوى. أيضًا ريجان كان لديه خبرة قبل وصوله إلى السطة، بعدما خدم لثماني سنوات كحاكم لولاية كاليفورنيا، عندما أظهر أنه يستطيع الموازنة بين الأيدلوجية وبين الضرورات العملية والسياسية، لكن ترامب ليس لديه أي خبرة مشابهة، ولم يظهر أي قدرة على احتمالية اكتسابه لتلك الخبرة. والاختلافات الأخرى كاشفة أيضًا؛ فترامب يتبنى أفكارا سوداء مخيفة بشأن المكسيكيين والمسلمين، ولا يتوقف عن التباهي بنفسه، ويوجه لمن يخالفه الرأي إهانات بالغة، أما ريجان فكان رجلاً مهذبًا عادة ما كان يطلق النكات على نفسه، فلم يأخذ الخلافات بصورة شخصية، فيما أشار الباحث بمعهد هوفر بيل والين إلى أن «ريجان كتب الوصية الحادية عشرة» بعد الوصايا العشر، وهي: «لا تتحدث بأي شر عن أي زميل جمهوري»، ولكن ترامب كسر تلك الوصايا وداس عليها بقدمه! كان ريجان قادرًا على إلهام وتوحيد الأمريكيين مثلما لم يستطع أي رئيس آخر من قبل بسبب أريحيته؛ فهو شخص محبوب وكان مخلصًا لفكرة أن تعود أمريكا لامعة من جديد، أما ترامب فهو يستدعي أهدافًا كبيرة، ولكن بطرق سيكون لتداعياتها تقليص لمبادئنا وأخلاقنا. لقد عمل ريجان من أجل خدمة قضية أكبر من نفسه، أما ترامب فهو يعطي الانطباع بأن لا شيء في رأسه أكبر من نفسه ذاتها. وعلى الجمهوريين الذين يفكرون في اختيار الاصطفاف في الطابور خلف ترامب أن يسألوا أنفسهم: هل أنا بذلك سوف أكون مساندًا للمبادئ التي دعا إليها ريجان؟ أم أنني بذلك سأهدم تركته التي أعجبت بها في يوم من الأيام؟