قال: كيف نفرق بين السلفيين الحقيقيين الذين يرون أن طاعة ولي الأمر في المنشط والمكره أصل من أصول أهل السنة والجماعة وبين السروريين الذين هم أقرب إلى منهج وفقه فرقة الخوارج منهم إلى فرقة أهل السنة، التي هي أول فرقة في تاريخ الإسلام حوّلت الإسلام من دين إلى كونه حركة سياسة ثورية تتمرد على طاعة ولي الأمر؟ قلت: الأمر قد يلتبس على كثير من البسطاء لأنهم يرون هؤلاء وأولئك من حيث اللغة وكذلك المظهريات لا خلاف بينهم، لكنك ما أن تتعمق في التفاصيل سيبدون لك الفرق واضحًا بين النهجين؛ بمعنى أنهم أول من خرجوا على الإمام صاحب البيعة، وألبسوا بدعتهم تلك ملبسًا دينيًا. لذلك فإنك إذا ما قرأت - مثلاً - في كتابات «أبو الأعلى المودودي» ستجده يسلك مسلك الخوارج، وإن كان يختلف عنهم في بعض التفصيلات، لكنّ منهجه منهج مفضٍ للخروج على ولي الأمر في النتيجة، أما الحجة فهي ذات حجة الخوارج الأولين، التذرع بتحكيم كتاب الله، بقولهم (لا حكم إلا لله)؛ ومعروف أن مؤسس جماعة الإخوان في مصر «حسن البنا» وكذلك التكفيري الشهير «سيد قطب» كانا متأثرين أشد التأثر بالداعية الهندي «أبو الأعلى المودودي»، الذي اقتفى منهج الخوارج في النهج السياسي وإن اختلف معهم في بعض التفاصيل هنا وهناك، التي ليس لها أية تأثير على المسلك الثوري المسيس، حيث يعد الإسلام (سياسة) أولاً لا عقيدة، وأن نظرية الطاعة السلفية تلغي بالضرورة (ثورية الإسلام). كما أن الداعية «محمد سرور» الذي يصر على التمسك بشكليات السلف المظهرية في حين أنه يخالفهم في المسلك بأصل الطاعة والإذعان لولي الأمر، هو بامتياز (داعية) من دعاة الخوارج الجدد. ويستطيع المسلم التفريق بين السلفيين والسروريين في العصر الحديث من خلال الدعوة إلى (الثورة)، والاستهزاء والسخرية من الالتزم بما كان عليه السلف الأوائل، وبالذات من اعتزلوا (الفتنة) وبقوا على الحياد، وما دار بين المسلمين من (خلافات سياسية)، أودت بحياة اثنين من الخلفاء هم «عثمان بن عفان» و»علي بن أبي طالب». كما أن هناك معيارًا آخر يصلح في عصرنا الحاضر لأن يكون أداة للتمييز بين السلفيين والخوارج الجدد، وهو الدعوة إلى الجهاد دون أن يدعو، أو على الأقل يأذن به، ولي الأمر المُبايع. وبالتالي يمكن القول بعلمية أن كل من دعا وحرض على الجهاد دون أن يأذن به ولي الأمر، فهو حكمًا من السروريين، أو سمهم أن أردت (الخوارج الجدد)؛ بمعنى آخر فإن كل من وقع على وثيقة، أو قال مقولة في مواقع التواصل الاجتماعي، يدعوا فيها إلى الجهاد مثلاً في سوريا أو العراق، دون أن يأمر به ولي الأمر، فهو في هذه الحالة مخالف صريح لما عليه سلف هذه الأمة، وأقرب إلى نهج الخوارج، وإن التزم ببعض تفاصيل السلفيين في العبادات والمظهريات. هذا التطبيق على أرض الواقع يستطيع به الباحث أن يُفرق بين (السلفي) المتبع وبين (السروري) المبتدع، الذي أحدث في الدين ما ليس منه. فأركان الإسلام الخمسة هي الدين، ومن زاد عليها ما ليس منها فهو مبتدع، وإن أطال لحيته وقصر إزاره. إلى اللقاء