قد لا يخطر في بال كثير من الشعوب العربية أن (إميلي روث) هي شخصية عربية خليجية بل أميرة من أصحاب المُلك واسمها سالمة بنت سعيد البوسعيدي ووالدها سلطان عمان وزنجبار، والتي كتبت مذكراتها وترجمها عبدالمجيد حسيب القيسي بعد ترجمات عديدة بالإنكليزية والفرنسية ! وقد كُتبت في القرن التاسع عشر وبالتحديد سنة 1886م وهذا تاريخ بعيد عن امرأة خليجية تُسجل مذكراتها وبالألمانية. لم تكتب سالمة أو إميلي ولا أدري بأي اسم أكتب ! مذكراتها لأهلها أو لشعب عمان والعرب وإنما سجلت ذلك ودونته لقرائها من الألمان والأوربيين ولأحفادها فاستعرضت خصائص المجتمع العماني في مسقط وزنجبار والعربي المحافظ في شتّى نواحي الحياة الاجتماعية والسياسية والفكرية ولذلك تقول ( ..وإنما الذي أهدف إليه تمكن القارئ الأوروبي من تكوين صورة صحيحة...) ثم تحدثت عن أسرتها المالكة ووالدها السلطان وكيفية تعامله معهم وأشقائها وشقيقاتها ! وصناعة الأحداث داخل غرف القصر وقصص الحرملك!. ولعل الحدث الرئيس في القصة الذي غيّر مسار حياتها وهو اللقاء الذي تُوج بالزواج بعد حب قصير وترتيب قد يكون بعض أفراد العائلة على علم مسبق حين عزمت على ترك البلاد مع الشاب الألماني رودلف روث، جرأة لا يقدم عليها الكثير وعزم بتمرد على التقاليد لا يستطيع في ذاك الوقت أن يقوم به أقوى الرجال بقوة الجاه فكيف بامرأة؟! والحقيقة أنها لم تكتب عن حياتها في الغرب سوى ثلاثة فصول من خمسة وعشرين فصلاً وهذا قليل بالنسبة لحياة استغرقت عقوداً مع تجارب مبثوثة في أحاديث الأنماط الاجتماعية ، ولا شك أن حياتها كأميرة مليئة بالأحداث فطبيعة الوضع العماني آنذاك مضطرب والكرسي يتحين فرص الطامعين فوجود الدسائس والمؤامرات أمر طبيعي، وهذا ما جرى بين الأخوين بعد وفاة والدهما السلطان وكانت قد غمست يديها مع برغش ضد أخيها ماجد فسقطت من عين الرضا ثم عجّل بها الندم فضاقت عليها الأرض بما رحبت وتبدلت أحوالها وحتى بعد أن صفح عنها ماجد سخط عليها الآخر برغش فزاد الطين بِلّه فكان ذلك سبباً للهرب! ولكن لماذا تنصّرت؟! لربما صغر سنها آنذاك في التاسعة عشرة وولعها في حب روث جعلها تتبعه وخصوصاً عندما أُشبعت في عدن بالتعاليم المسيحية مع قلة علم وصغر سن! فاتخذت القرار الذي زادها جرأة على جسارتها السابقة ولكن لا تذكر شيئاً عن المسيحية ولا حتى إشارات أو دلالات نصرانية في معرض كلامها سوى اعترافها أنها قدمت إلى زنجبار مرة أخرى (بنصف مسيحية) وخُيل إلي أنها عادت إلى الإسلام لكونها ذكرت في الفصل الخامس عشر (فديننا الإسلامي يمنع ذلك منعاً باتاً...)، فهذا اعتراف بإسلامها إلا أني لا أجد شيئاً آخر يرجّح هذه الفرضية!. وفي كتاباتها نوع من نبرة الغضب والحزن تضفيها على بعض الحوادث التي صادفتها فصبت جام غضبها على أخيها برغش لسوء سيرته وحرمانها ميراث والدها وعلى الإنكليز الذين عاملوها معاملة سيئة بسبب ألمانيتها لكونهم سبباً في عدم عودتها إلى بلدها الأم لتعيش بقية حياتها! يبدو من أسلوبها ومن خلال تمتعها بالحرية المطلقة هناك وهي في سن صغيرة أكسبها ثقافة وعلماً كما تقول لأنها في زنجبار لم تتعدَّ في دراستها القرآن الكريم والحساب، ونجد ذلك أيضاً في ثنايا حكاياتها لبعض الروايات والمقارنة فيما بينها مما أكسبها رؤية ثاقبة لبواطن الأمور وتقييما للحوادث والمواقف ونقدا للظواهر الاجتماعية والسياسية نقداً متميزاً ينم عن معرفة وخبرة واطّلاع ! وطريقتها في السرد سلسة مدبّجة بأسلوب بلاغي أحياناً في بعض الفصول وعفوي في فصول أخرى ، وقد تكون ثقافة المترجم أسهمت في ذلك. وأود من القارئ الكريم وخاصة النساء أن يقرأوا الفصل ( الخامس عشر) ففيه مقارنة لطيفة بين المرأة الشرقية والغربية ومتعة وإنصاف ووصف دقيق لامرأة عاشت في مجتمعيْن مختلفين فنقلت لنا تجربتها بصدق وأمانة بغض النظر عن سيناريو حياتها العجيب!. تعتبر مذكرات الأميرة سالمة بنت سعيد أو إميلي روث من أجمل وأمتع السير الذاتية لغرابة أحداثها في زمن وفي بيئة اجتماعية من المستحيل أن تتكرر!.