لم تعد الوزارة وجاهة، ولم تعد تسييرًا للأعمال كما كانت من قبل، بينما أي وزارة هي مرتبطة ارتباطًا مباشرًا اليوم بتحقيق أهداف التحول الاقتصادي 2020 ورؤية المملكة 2030، لذلك لم تتقبل الدولة والمجتمع أن تبقى البطالة عند مستويات مرتفعة خصوصًا عندما تزداد عن المستويات السابقة، ولم تقتنع الدولة ولا المجتمع بالحجج التي تساق لتبرير مواقف وزارة العمل رغم جهودها المضنية التي تبذلها في مواجهة البطالة المرتفعة التي لا يمكن إنكارها، لكن قد تكون بحاجة إلى أدوات وأساليب أخرى تتناسب مع المرحلة الحاسمة التي دخلت فيها الدولة. المملكة العربية السعودية أمام التحدي الأكبر في مواجهة العجز الذي حدث عقب انخفاض أسعار النفط الذي كشف أن اقتصاديات المملكة مشوهة نتيجة اعتماد دخل المملكة على دخل النفط مما يعيق تحولها إلى أحد الاقتصاديات التنافسية، والتحدي الآخر الذي لا يقل أهمية عن الأول وهو مواجهة البطالة رغم توظيف 1.6 مليون مواطن في 10 سنوات بمعدل 202 ألف مواطن ينضمون إلى سوق العمل سنويًا. فإن البطالة ارتفعت في الثلث الثالث من عام 2016 إلى 47 ألفًا وهي الأعلى منذ عام 2012، ولم تقتنع الدولة والمجتمع بالمبررات التي قادت إلى ارتفاع البطالة والدولة في صدد تحقيق برنامج التحول 2020 حتى لا تفقد مصداقيتها أمام المجتمع والعالم، خصوصًا بعدما خصصت الدولة 100 مليار ريال لتسوية مستحقات القطاع الخاص حتى لا يتعثر في توظيف السعوديين تزامن مع إجراءات اتخذتها وزارة العمل 35 منشأة تحت الملاحظة لمنع تفاقم أوضاعها المالية والعمالية. المرحلة الحالية بعد انخفاض أسعار النفط الذي فرض على الدولة الانفطام من الاعتماد على دخل وحيد، كذلك يتزامن ذلك مع إعادة هيكلة القطاع الخاص الذي يجب أن يتماشى مع المرحلة الجديدة، ولم تعد هناك مشروعات حكومية ضخمة لا يواكب أثرها قيمتها، خصوصًا أن الدولة اتخذت قرارات استراتيجية بفتح الاقتصاد السعودي لجذب استثمارات عالمية، ما يعني أن الاقتصاد السعودي يدخل مرحلة التحول إلى اقتصاديات تنافسية، فيما أن التنافسية المحلية مفقودة وأن الفجوة بين القطاعين العام والخاص كبيرة جدًا بل وعقبة أمام تنمية القطاع الخاص بحيث يصبح قادرًا على الدخول في المنافسة العالمية. فيما نجد أن 1.240 مليون موظف في القطاع العام رواتبهم 314 مليار ريال عام 2014 تمثل 37 في المائة من ميزانية نفس العام، في المقابل يصل عدد موظفي القطاع الخاص أكثر من 10 ملايين موظف لا تتجاوز رواتيهم عن 23.2 مليار ريال، لذلك نجد أن نسبة السعوديين لا تتجاوز 9 في المائة، ما يعني أن الموظف السعودي غير قادر على منافسة الوافدين خصوصًا إذا ما وجدنا أن انخفاض أسعار النفط لن تسمح بتوسع القطاع العام بل على العكس سيتقلص في الفترة القادمة لصالح القطاع الخاص، في ظل أن نصف سكان السعودية البالغ عددهم 31 مليون نسمة هم من الشباب، ما يعني أن الفترة المقبلة إذا لم يتم إعادة هيكلة القطاع الخاص وتمكينه من القدرة على المنافسة محليًا فلن يتمكن من المنافسة عالميًا وستستمر نسب البطالة مرتفعة. حيث نجد في كل دول العالم أول ما تكون على أجندة المسؤول توفير فرص العمل ورفع الأجور، فنجد ترامب حاملاً في جولته رسالة أمريكا أولاً لتحقيق اقتصاد مزدهر ووضع أمريكا أولاً، وأنه يريد أن يقود ثورة صناعية جديدة متعهدًا لولايات الغرب الأوسط مثل أوهايو وبنسلفانيا وميشغان ووسكنسن التي يطلق عليها ولايات حزام الصدأ باستعادة الوظائف وإعادة فتح المصانع وتحقيق انتعاشة صناعية واقتصادية. وأكَّد ترامب أن العالمية أمر رائع لكننا نريد التركيز على قيم مجتمعنا ونسعى للعمل مع دول العالم، لكن هذا يعني الاعتراف بحقوق كل بلد بما في ذلك بلدنا في رعاية مواطنيها، بل نجد أن الفيدرالي يتجه نحو التشدد من أجل تحسن النمو والتوظيف منذ الرفع الأول في ديسمبر 2015، لكن تقرير يوليو 2016 بعدما حققت السياسة النقدية السلبية من رفع نسب التوظيف في يوليو التي ارتفعت معها الأجور بما سيعزز توقعات تسارع النمو الاقتصادي ويزيد احتمالات رفع الفائدة. يتضح قياس أداء وزارة العمل الأمريكية عند تصريحها بأن عدد الوظائف غير الزراعية في شهر يونيو 2016 زادت بنحو 225 ألف وظيفة، مع تنامي التوظيف على نطاق واسع بعد صعود معدل يونيو 2016 بالزيادة بعد التعديل الذي بلغ 292 ألفًا، بعدما استقر معدل البطالة عند 4.9 في المائة ما يبرز قوة سوق العمل، وزيادة متوسط الأجور في الساعة نحو ثمانية سنتات إلى 25.69 دولار للساعة، وارتفع متوسط الأجر على مستوى العام بنحو 2.9 في المائة. لتعزيز نمو الوظائف وتقليل معدل نسب البطالة تحدث ترامب عن التجارة والهجرة غير الشرعية واستعادة الولاياتالمتحدة لسيادتها حيث قال: إننا نبني سور الصين العظيم على حدودنا وشدد على غلق الهجرة من مناطق لا يمكن معالجتها بشكل آمن. ولم تعد الاتهامات لبكين ذات معنى بأنها أسطورة سرقة الصين للوظائف الصناعية، حيث فقدت الولاياتالمتحدة بين عامي 1999 و2011 نحو 2 مليون وظيفة على الأقل بسبب ارتفاع الهائل في الواردات الصينية، وفقًا لدراسة نشرت بهذا الشأن في جورنال أوف لابور إكونموميكس، بعد تغيرات حادة بسوق العمل، وجاء في الدراسة التي نشرت عام 2015 في مجموعة بوسطن الاستشارية التي قالت بأن تكاليف الصناعات التحويلية في منطقة الإنتاج لأجل التصدير الرئيسة الصينية كانت أقرب ما تكون من مثيلتها في الولاياتالمتحدة، بعد وضع الأجور وإنتاجية العامل وتكاليف الطاقة وغيرها من العوامل التي وضعت في الحسبان، حيث كثير من الشركات الأمريكية تود العودة للعمل في الوطن، خصوصًا بعدما بدأت الصين تجد منافسة شرسة من المنافسين الأقل تكلفة في آسيا. فنحن أيضًا لا نختلف عن دول العالم في الدفاع عن حقوق ومكتسبات المجتمع، يمكن أن نقول كذلك المواطن أولاً وليس المستثمرون أولاً الذين يراكمون ثرواتهم في تشغيل العمالة الوافدة الرخيصة على حساب أمن المجتمع والتسبب في رفع نسب البطالة بل التسبب في تعطيل مجتمع بأكمله. فكيف نواصل الاستقدام ونحن لدينا بطالة هيكلية وبطالة حقيقية، وبحسب الإحصاءات الرسمية، فإن عدد العاطلين عن العمل في الربع الثالث من عام 2016 نحو 694 ألف عاطل عن العمل وهناك إحصاءات لخريجات غير مسجلة قد تكون أكبر من هذا الرقم، هذا علاوة على التشغيل برواتب جدًا متدنية لا تتناسب مع الواقع المعيشي خصوصًا النساء اللاتي يعملن فترتي عمل وهن بحاجة إلى سائقين يستحوذون على أغلب مدخراتهن، وهو لا يحقق الأمن الوظيفي لهن مما يضعف قوة سوق العمل ولا يحقق توطين الوظائف التي تسعى إليها الدولة. مشكلة البطالة لدينا معقدة ومركبة وهي بحاجة إلى حلول جريئة في وقف استقدام عمالة إلا في حدود ضيقة جدًا التي تقتصر على العمالة الماهرة التي يحتاجها الاقتصاد الوطني في الوقت الراهن بما يتناسب مع مرحلة التحول الوطني وتحقيق رؤية المملكة 2030 التي يجب أن تحددها لجنة مشتركة من القطاعين العام والخاص تشرف على الاستقدام بدلاً من الاستقدام المفتوح الذي يقيد أعداد العمالة الوطنية المستعدة للانخراط في سوق العمل. بجانب مواجهة الهجرة غير الشرعية والمقيمين إقامة غير شرعية، وفتح السوق أمام الجميع، خصوصًا للمهن المطلوبة والكفاءات العالية التي ترتقي بالقطاعات التي يمكن أن تشارك العمالة الوطنية وفق تنافسية عادلة تحددها سوق العمل، فيما العمالة الفائضة عن سوق العمل يجب لا تجدد عقودها عند الانتهاء التي استقدمها القطاع الخاص وهي تتعارض مع توجه الدولة الجديد، التي تصب في مواجهة أسباب التستر التي حرمت شريحة واسعة من المواطنين من دخول قطاعات بأكملها نتيجة احتكارها من قبل فئات مستقدمة تعمل بأسماء سعوديين لقاء الحصول على مبالغ زهيدة، مستثمرة ضعف القوانين أو غيابها. ومن جانب آخر معالجة مشكلة التستر التي تحتكر قطاعات كبيرة جدًا لا يعمل فيها سعوديون بحجة أن العمالة السعودية ترفض العمل في مثل تلك المهن وهي اتهامات مضللة بينما هي تعتمد على إيحاءات نفسية. وهي التي أملت لمثل هؤلاء الشباب بأن تلك المهن غير صالحة لهم ولا تتناسب مع وضعهم الاجتماعي، حتى أن تلك العمالة الوافدة لا تقبل مجرد الشراكة معهم، بالرغم من أن مثل هؤلاء الشباب يعملون في شركات الوجبات السريعة ينظفون الطاولات والمحلات ويقومون بكافة الأعمال وهي تجربة ناجحة تثبت للقطاع الخاص بأن الشاب السعودي لديه الاستعداد الكامل إذا حصل على رواتب وفق قوى السوق العادلة وليس السوق التي تعتمد على العمالة الوافدة، وهذا الشباب لا يرفض العمل في أي قطاع، بل إن أنشطة الاقتصاد التشاركي الأسرع نموًا ونجاحًا في العالم، وهو يحقق توزيع عادل للقيمة المضافة التي هي أبرز مرتكزاته ويخلق سوق عمل تنافسي لا يفرق بين سعودي ووافد ولكن سوق عمل تنافسية وفق الكفاءة. يمكن ضبط السوق من خلال استخدام الشبكات الإلكترونية بدلاً من التعامل من خلال البيع المباشر لضبط مسار الدخل حتى ولو كانت وفق نسب تدرجية، وهناك خطوات كثيرة يمكن اتباعها من أجل القضاء على التستر وفتح فرص عمل واسعة للسعوديين دون هضم حقوق الوافدين وهضم حقوق ملكيتهم المسجلة بأسماء سعوديين التي يمكن أن يتجه السوق إلى مرحلة تصحيح، وعندما أرادت الهند الكشف عن الثروة الكامنة المتهربة من الضرائب وتحريكها في السوق اتجهت إلى وقف أعلى عملة عن التداول واستبدلتها بعملة جديدة، مما اضطر الجميع إلى استبدال عملاتهم خصوصًا ممن يخزنون ثرواتهم خارج البنوك، فالحلول كثيرة ولكنها بحاجة إلى جرأة. خصوصًا بعدما فشلت وزارة العمل التي قصرت 150 مهنة على السعوديين ولم تنجح بسبب غياب منظومة قانونية واجتماعية التي لم تتمكن من القضاء على التستر، والتحدي الآن توطين أكثر من مليون فرصة عمل خلال 4 أعوام وفق التحول الوطني 2020 التي هدفت 13 وزارة وهيئة حكومية التي رعت 55 مبادرة لتوطين ما يزيد على مليون فرصة عمل.