الهيئة السعودية للبحر الأحمر تصدر أول ترخيص لمراسي سياحية في ينبع والليث    الطيران المدني تصدر تصنيف مقدِّمي خدمات النقل الجوي والمطارات لأكتوبر الماضي    فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بحائل يفعّل مبادرة "الموظف الصغير" احتفالاً بيوم الطفل العالمي    واحة بريدة صاحبة "أول بصمة مائية" تظفر ب"البورد الألماني"    سفارة السعودية في باكستان: المملكة تدين الهجوم على نقطة تفتيش مشتركة في مدينة "بانو"    أكاديمية طويق شريك تدريبي معتمد ل "Google Cloud"    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    سدايا" تطلق أداة التقييم الذاتي لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي عبر منصة حوكمة البيانات الوطنية    مدالله مهدد ب «الإيقاف»    9 مهددون بالغياب أمام «الصين»    وزراء داخلية الخليج يبحثون التعاون الأمني المشترك    «المرور»: الجوال يتصدّر مسببات الحوادث بالمدينة    السائل النخاعي.. هل يصبح علاج «الشقيقة» ؟    وزير العدل: القضاء السعودي يطبق النصوص النظامية على الوقائع المعروضة    استضافة 25 معتمراً ماليزياً في المدينة.. وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة    «أتاكمز».. تحول أمريكي في حرب أوكرانيا    الصقور السعودية    «كوكتيل» هرج    مساهمات الأمم المتحدة في تأسيس القانون الدولي للفضاء    «المسيار» والوجبات السريعة    حمائية فاشلة !    هوساوي يعود للنصر.. والفريق جاهز للقادسية    الخليج يتطلع لنهائي آسيا أمام الدحيل    اكتشف شغفك    علاج فتق يحتوي 40 % من أحشاء سيدة    الاتحاد يستعيد "عوار" .. وبنزيما يواصل التأهيل    الغندور سفيرا للسعادة في الخليج    الدرعية تضع حجر الأساس لحي القرين الثقافي والمنطقة الشمالية    التواصل المعرفي يُشارك في فعاليات «فالداي» للحوار    فيتو أميركي ضد قرار بمجلس الأمن بشأن غزة    مهمة هوكشتاين في لبنان.. الترقب سيد الموقف    الإعراض عن الميسور    محافظ جدة يشرف أفراح الحصيني والقفيدي    «قرم النفود» في تحدٍ جديد على قناة «الواقع»    سفارتا أميركا وألمانيا تقلصان عملهما بكييف    «بوابة الريح» صراع الشّك على مسرح التقنية    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    رسالة إنسانية    " لعبة الضوء والظل" ب 121 مليون دولار    مهرجان البحر الأحمر يعرض روائع سينمائية خالدة    نواف إلى القفص الذهبي    الزميل أحمد بركات العرياني عريسا    إيطاليا تفرض عقوبات أشد صرامة على القيادة الخطرة    دبلوم العلاقات العامة فوق الجامعي للمصور السنيد    الدوسري رئيساً للجنة العمالية في سابك    في الجولة ال 11 من دوري روشن.. الهلال والأهلي في ضيافة الخليج والفيحاء    في مؤجلات الجولة الثامنة من" يلو".. قطبا حائل يواجهان الحزم والصفا    استهلاك عدد أقل من السجائر غير كافٍ للحد من الأضرار التي يتسبب بها التدخين    سعود بن بندر يستعرض تحول التعليم في الشرقية    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    وصول الدفعة الأولى من ضيوف الملك للمدينة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    عبدالعزيز بن سعد بن يستقبل مدير مرور منطقة حائل السابق والمعين    تعزيز البنية التحتية الحضرية بأحدث التقنيات.. نائب أمير مكة يستقبل رئيس الشؤون الدينية    محافظ الطائف يستقبل الرئيس التنفيذي ل "الحياة الفطرية"    أمير تبوك يستقبل المواطن ممدوح العطوي الذي تنازل عن قاتل أخيه    وزير الدفاع ونظيره الفرنسي يبحثان آفاق التعاون العسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في فكر بلاد الرافدين القديمة 5
فلسفات
نشر في الجزيرة يوم 26 - 11 - 2016

تحدثنا في الجزأين السابقين عن عدد من المعتقدات الرافديّة القديمة، ونختم السلسلة اليوم بتسليط الضوء على بعض النقاط العقدية الأخرى المهمة بإيجاز شديد. فالقلق الإنساني من موضوع (الرحيل عن الدنيا) يتجلّى في أعلى مستوياته عند العرب في بلاد الرافدين قديمًا، فقد أخذتْ قضية الموت والمصير مساحة كبيرة من فكرهم واهتمامهم.. ولعل الصورة تظهر بدقة في تقسيم موقف الإنسان الرافديّ من الموت والخلود إلى قسمين هما:
أ- إيمان الإنسان السومري بإمكانية الخلود الإنساني في الدنيا والآخرة، من خلال نصوصهم كملحمة جلجامش مثلا وغيرها.. فقد كان ارتباط السومريين بالميثولوجيا وانسجامهم معها، أكبر وأقوى من ارتباطهم بالاستقرار معرفيًا واجتماعيًا.
ب- اختلف الوضع نسبيًا عند البابليين، لأسباب كثيرة منها الرفاهية والتحوّلات الاجتماعية المختلفة وغيرها، فتغيّرتْ نظرتهم للآخرة، ومن ذلك تمييزهم بين الناس أحيانًا، حيث جعلوا الخلود الأخرويّ خاصًا بفئة من المجتمع.
لا شك أن الكثير من البابليين كانوا يؤمنون بالحياة بعد الموت، بدليل ما نجده في تلك الحضارة من استعدادات مختلفة للرحيل لتلك الحياة؛ ولكن الملاحظ هو أنهم فرّقوا –في كثير من الأحيان- تفريقاً غريبًا ونادرًا بين البشر في موضوع الخلود بعد الموت، فالخلود ليس للجميع، بل هو محصور في الطبقات العليا، طبقة الملوك وكهانهم وغيرهم من علية القوم، أما الطبقات الدنيا كالفقراء والعبيد، فحياتهم تنتهي بالموت، وليس لهم خلود بعده.
وخلاصة معتقدهم هذا هي أن الجسد يعود لحالته الأولى، أما الخلود فهو للروح التي تظل هائمة بعد مفارقة الجسد. والحقيقة أن هذا المعتقد البابلي جاء مشابهاً -مع وجود اختلافات- للعقائد السومرية السابقة له.
ومن هذا التذبذب والتفريق والتحوّل في النظرة اتجه البابليون إلى دنياهم أكثر، وتميّزوا بالارتباط النفعي بالقضايا الإلهية والدينية، فلم يكن لموضوعات النعيم الأخروي قيمة كبيرة عند البابلي، الذي لم يطلبها بقوة، ولم يقتنع بها وبما يقال عن العطايا التي ستقدمها الآلهة من أشكال النعيم المقيم في الآخرة، بقدر اقتناعه بدنياه وطلبه الرحمة الدنيوية من أسياده وآلهته، بالحصول على المنافع الدنيوية البحتة، كقطع الأراضي وما شابهها.
ولذلك وغيره: يتضح من تأمل الفكر البابلي أن علاقة الإنسان البابلي بالآلهة شابها كثير من التوتر، حيث انتشرتْ مثلا القناعة بأن (الآلهة تنقض وعودها)، فقد ساد بين البابليين بقوة أن الآلهة تغدر وتمكر وتخون، مما أفقد الآلهة قيمتها وقدسيتها ومصداقيتها بينهم. وأدّى هذا التصوّر إلى قلق الإنسان البابلي الواضح في كتاباته عن الآلهة، حيث نرى فيها كثيرًا من البعد عنها والنفور منها.
ومن أبرز ذلك أنهم يكررون في نصوصهم أفكارًا فيها اعتراض على تصرفات الآلهة، فالإنسان منهم -حتى الكبار- يُقدّم أحياناً كلَّ ما تطلبه الآلهة منه في تشريعاتها وتعاليمها وأوامرها، ويلتزم بكلِّ ما يحثه عليه رجال الدين والكهّان؛ ولكنه في النهاية لا يجني –في كثير من الأحيان- إلا المصائب والكوارث والآلام والسلبيات المختلفة في حياته.
ومن هنا ظهرتْ قناعتهم بأن الآلهة ليستْ كلها طيبة عادلة خيّرة، فهناك آلهة شريرة ظالمة لا تمدّ لهم يدَ العون مهما قدموا لها.
ونختم بأن الملاحظة الأبرز على فكر بلاد الرافدين وسوريا القديمة، هي (التعدد الكبير في الآلهة) فهذا التعدد رغم وجوده في غالب المجتمعات القديمة، إلا أن العرب القدماء كانوا من أكثر الناس في هذا التعدّد، الذي قد ينظر إليه البعض باعتباره أمرًا سلبيًا يوحي بالضياع وأنهم أقوام تائهة مشتتة. مع أن الصواب هو أن ذلك التعدد في الآلهة، كان يعكس الفاعليات المتعددة في حياتهم، فجاءت الآلهة كمفسرة ومدافعة ومدبرة ومنتجة ومنظمة لهذا الوجود الكبير، بكل ما فيه من تفصيلات وجزئيات فرعية ووجودات أصغر.
نتوقف هنا الآن.. ونظرًا لأهمية (ملحمة جلجامش) فسيكون الحديث عنها خاصًا في المقالين الموجزين القادمين، المستقلّين عن هذه السلسلة التي انتهت بهذه المقالة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.