جاءت زيارة الملك سلمان - أمد الله في عمره - للمنطقة الشرقية، لتأكد حجم المشاريع العملاقة التي تم افتتاحها، والدراسات والخطط التي تم التوجيه بها للمشاريع القادمة، والتي بعضها يمكن أن يكون شرياناً حيوياً واقتصادياً تكاملياً مع أشقائنا في دول مجلس التعاون الخليجي، وعمقاً داعماً لهم لتنويع مصادر الدخل، ورسم خارطة طريق لمستقبل اقتصادي خليجي متين وموحد، ومتنوع للمصادر والدخل. كما أن هذه الزيارة تؤكد ما ذهب إليه سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - أن دول الخليج تستطيع أن تكون أكبر سادس اقتصاد في العالم، كونها ترتكز على أرضية صلبة من التكامل الاقتصادي، وخصوصاً مع الرؤية 2030م والتحول الوطني 2020م والتي تسعى إلى تعزيز التعاون، والتكامل الخليجي والارتقاء بالاقتصاد الخليجي المشترك وتنوع مصادر الدخل دون الاعتماد على النفط. هذه المنظومة المتكاملة من المشاريع في مختلف القطاعات، الطاقة والغاز والنفط، والسكك الحديدية، والتعليم، والجامعات النموذجية، والاستثمارات السياحية، والطرق والانفاق، والزراعة، والخدمات والشؤون الصحية، هي بالمحصلة عمق وشريان حيوي لبلادنا، وللأشقاء في مجلس التعاون الخليجي. وهي مركز قوة وثقل للاقتصادات الخليجية، في إطار مجموعة الرؤى الإستراتيجية التي تعمل هذه الدول على تنفيذها، حيث نأمل أن يصار إلى عقد اجتماعات متخصصة خليجياً لمناقشة التوافقية، والتكاملية والمستقبلية في هذه المشروعات العملاقة، لتكون الفائدة عامة، خاصة وأن الأمن السياسي والاقتصادي، والثقافي الخليجي مترابط ومتداخل، وهناك تكمن إمكانية وحيوية التنسيق بين هذه الإستراتيجيات. وعليه جاءت دعوة سمو ولي ولي العهد في هذا السياق لتحقيق التكتل، والتكامل الاقتصادي الخليجي باعتبارها متوافقة مع الرؤية 2030م ومع تطلعات دول مجلس التعاون الخليجي والسياسات التجارية، والتي تهدف إلى توحيد سياستها التجارية مع منظمة التجارة العالمية، والمنظمات الدولية الأخرى، وتنشيط التبادل التجاري مع العالم. وإلى تشجيع المنتجات الخليجية في الأسواق الخارجية، وتفعيل دور القطاع الخاص في تنمية الصادرات الخليجية من خلال توحيد الإجراءات التجارية والاقتصادية لدول الخليج، خصوصاً أن افتصاد المملكة يمثل 50% من إجمالي اقتصاد دول الخليج والذي يقدر بنحو 1.7 ترليون دولار، وسوف يجد هذا التكتل الاقتصادي النمو والازدهار لمواطني دول الخليج. ويجب إيجاد حواضن خليجية علمية ومعرفية وتقنية وصناعية مشتركة، تهتم بالشباب، وتوفير كافة الدعم والمساندة لهم، ودعم ابتكاراتهم وإبداعهم، ويفترض تطوير التعليم والتدريب، لتخريج كوادر خليجية مؤهلة، قادرة على مواكبة تطورات العصر، والارتقاء بالاقتصاد الخليجي، وتطوير القطاعات الاقتصادية القائمة، خصوصاً فيما يتعلق بالابتكارات والاختراعات، واستقطاب الاستثمارات الأجنبية، فالهند استثمرت سنين طويلة في الإنسان الهندي، وأصبحت تعقد شراكات تقنية مع دول العالم الصناعي والتقني، وتصدر عقولاً إلى كافة أنحاء العالم بعد أن اكتفت داخلياً. ويفترض معاملة مواطني دول الخليج بالتساوي في جميع المجالات الاقتصادية، والأنشطة التجارية والاستثمار، والتعليم والصحة والخدمات والتأمينات الاجتماعية، والحرف والمهن والمعاملة الضريبية، والتنقل والإقامة والعمل، ويجب التخلص من الاحتكار، والبيروقراطية التي تسببت في تعثر مشروعات التنمية في الفترة الماضية، والتخلص من الكفيل الذي تسبب في ظاهرة التستر، وأسهم في احتكار قطاعات عديدة، خصوصاً فيما يتعلق بقطاع التجزئة، وحرم فئات من المجتمع من التوظيف. ويجب أن يشكل القطاع الخاص الخليجي جزءاً مهماً من هذا التكتل الاقتصادي، وأن يكون له دور أساس في وضع التشريعات، والأنظمة والقوانين المنظمة للتكتل الاقتصادي، وأن التكامل بين القطاعين العام والخاص سيتمكن من خلق الوظائف للخليجيين جميعاً، وهذا التكامل هو القادر على قيادة نقلة كبيرة في الاقتصاد المستدام الخليجي، وإذا ما أردنا أن نكون أكبر سادس اقتصاد في العالم. ولتعزيز التكامل الخليجي والارتقاء باقتصادات دول الخليج إلى أعلى الدرجات، يفترض الإسراع في تنفيذ جميع الإجراءات الاقتصادية، والسياسات والتنموية والقانونية التشريعية والمالية اللازمة وتوحيد السياسات النقدية الخليجية، وإصدار عملة خليجية موحدة، وزيادة قنوات التمويل، التي توفر الدعم المالي اللازم لتبني الأفكار والمبادرات، وذلك على صعيد المشاريع الصغيرة والمتوسطة والكبيرة لبناء تكتل اقتصادي خليجي مستدام. ولهذا نرى من الضرورة أن يصار إلى إنشاء مجلس اقتصادي وتنموي خليجي في إطار مجلس التعاون الخليجي، يعمل على توحيد الأهداف للرؤى الاقتصادية والإستراتيجية، ويتعامل مع المشروعات ذات الصبغة الإستراتيجية، كانعقاد المونديال في دولة قطر الشقيقة، وكيفية مشاركة دول الخليج في هذا الحدث الخليجي والعربي مثلاً، إضافة إلى التكامل السياحي، وبخاصة السياحة الدينية، والتاريخية في المملكة، وصولاً إلى مرحلة التكامل في السياسات الاقتصادية والعلاقات الاقتصادية الدولية، وتنويع مصادر الدخل، ورسم مستقبل اقتصادي خليجي متنوع وموحد.