احترتُ كثيرًا في صياغة عنوان لهذا المحتوى؛ يبدو أنني أريد له أن يكون منصفًا لمقتضى حال الشاعر وكاتب المقالة؛ بعين عمياء، وعين ناقدة انبثقت تلكم الأسطر. يمثل «الأعمى» في شعر د.سعود اليوسف رمزًا لتداعيات التفاعلات في الحياة. فإذا تأملنا مواطن ورودها فإننا نلحظ أنها وردت في سياقين: الأول سياق عبر به عمن يتفاعل تفاعلًا سلبيًا مع أمته في قصيدة «سيرته التي لا نسأل عنها خولة» وقرنه في بيت واحد مع صورة أخرى طريفة صورتان متقابلتان: الأعمى، وجدب الصحراء، أمام الغيث والفجر: «لو يعلم الغيث عقم البيد ما انسكب ولو درى الفجر بالعميان لاحتجب». وفي سياق آخر لاحق شكل «الأعمى» رمزًا للتعبير عن جزءٍ من أجزاء الأمة: ذات الشاعر ولكنه هنا يدل على الاضطراب والتيه؛ فالشاعر يتجلى قائلًا في قصيدة «جواب يفتش عن سؤال» أنه يمتلك أمل الأعمى أن يسير في ليل مظلم يرتجي الوصول، وبينما هو كذلك إذ أضاعت قدماه الطريق: ولم ينتهِ المشهد عند هذا الحد -وإن فصل بينه وبين خاتمة القصيدة بمشاهد أخرى- ليقول في نهاية الأمر أن أكثر ما يؤلم النهاية التي لا تكسب من ورائها سوى مشاهدة الجهة التي تشير إليها البوصلة خالية من أي ملامح، تمامًا كما رسم الأعمى في ذاكرته متخيلًا الطريق محاطًا بالبساتين لكنه فوجئ بالطريق كما هو رسم في الخريطة. «وأوجع خيبات الرحيل إذا انتهى بك الدرب لم تغنم سوى حظ بوصلة». إن رمز الأعمى في شعر اليوسف ينم عن قدرة عالية على تلبس الشاعر بحال الآخر في شعره وصياغتها في قالب مركب.