أكد معالي سفير خادم الحرمين الشريفين في مملكة المغرب د. عبدالعزيز محيي الدين خوجة أن أعمال وإنجازات صديقه الكبير الراحل الدكتور غازي القصيبي هي التي تنصفه، ولا يحتاج إلى إنصاف من أي أحد كان. وقال خوجة: الرجل كان نسيجًا وحده، وفيه سمات العبقرية الفكرية الشاملة، من خلال ثقافته الموسوعية، وإبداعاته العميقة في الرواية والسيرة الذاتية والمقالة والقصة والشعر، إلى جانب فن الكتابة في شؤون الإدارة والتوثيق للأحداث في قالب أدبي. ولا خوف على إرث القصيبي وإنتاجاته التي أرى أنها ستعمر طويلاً، وستقرؤها أجيال قادمة، وسيظل الرجل مَعلمًا من معالم المملكة ثقافيًّا وفكريًّا وأدبيًّا وإداريًّا كوزير من أنجح الوزراء. وحول ترحاله وأسفاره وهو يحمل الحقائب الدبلوماسية قال خوجة: أنا لا أنكر البتة أن عملي سفيرًا لبلدي في دول مثل روسيا وتركيا والمغرب ولبنان قد منحني زخمًا إنسانيًّا لا مثيل له؛ وذلك من خلال تعرفي على حضارات بشرية مختلفة في هذه الدول العريقة التي مررت بها، ومن خلال تمازجي واحتكاكي بثقافات إنسانية متعددة. ولا شك أن مثل هذه التجارب الثرة تضيف الكثير إلى خبرات الإنسان، وتضع بصماتها الواضحة على شخصيته. وتابع: إن الغربة حالة نفسية وليست جسدية، والحمد لله أن ابتعادي عن الديار لسنوات طويلة لم يزدني إلا تعلقًا بالوطن الحبيب. نعم، تزداد جرعة الشوق ولوعة فراق العشيرة والأصدقاء ومراتع الطفولة والصبا والشباب.. لكن ذلك يمنح الإنسان مزيدًا من القوة العاطفية في حبه لوطنه الحبيب، وعشقه لأهل بلده الطيبين. ولعل ذلك البُعد يصبح للشاعر بمنزلة دافع معنوي، وشحنة روحية دفاقة، تدفعه لمزيد من العطاء، وترفد إبداعاته بإضافات ثقافية وجمالية عميقة ومتجددة. ولا شك أن الغربة التي في داخلي نوعان: الغربة التي عشتها متنقلاً لسنين طويلة، وامتدت إلى نحو أربعة عقود، سواء كطالب أو سفير، فجرت في داخلي الكثير من المشاعر الممتزجة بالبعد والغربة، وفجّرت في أحيانًا أخرى تلك الغربة الداخلية التي يعيشها الشاعر. وأنا قد جربتُ مشاعر سندباد الذي اشتط عن موطنه، وكتبت عن غربتي في قصيدة طويلة بعنوان (غربة). وكثير من قصائدي فيها شيء من الحزن والغربة الداخلية، وهذه هي مشكلة الفنان المبدع، أي الغربة التي تلاحقه دائمًا حتى وهو بين أهله وذويه؛ فهو يهرب من غربة إلى غربة، ولكن يظل حزن الغربة الرفيف يسكنه دائمًا، فإذا اجتمعت الغربتان (غربة المكان وغربة الروح) فإن الأمر يبدو مدعاة للحزن والشجن، وقد حملته إحدى قصائدي «غربة». «الثقافية» في سلسلة حوارية قادمة ستكون مع هذا الدبلوماسي الشاعر، تتتبع مسالك من حياته من أعالي ثلوج جبال روسيا، ثم يحطنا على شطآن بيروت, وجسر البسفور يسامر النهر، ثم على أبواب جامعة القرويين ينتحي بنا للمغرب.