حين تكتب عن صوت عذب كصوت طلال مداح مثلا ستلحظ كيف ترتعش حواسك وأنت تعيش إيقاعات تلك الخامة الرقيقة وذلك الصوت بنبراته و عذوبته الرقراقة. إنه طلال مداح الذي لم تقدره القنوات الفضائية السعودية بشكل خاص كما احتفت به قناة قطر وخصصت له ساعة أسبوعية يستمتع بها محبوه. لماذا؟ هل لأن طلال رحل وهو لم ولن يطالب قنواته الوطنية بحقوقه عليها في بث أغانيه المسجلة. كم يغيظني ذلك التجاهل لأصوات دون غيرها من قنوات حسبت علينا واكتفت بتقدير بعض المطربين دون سواهم. وحتى اليوم فقنواتنا التلفزيونية لم تزل مقصرة تجاه مطرب مثل طلال مداح، فلماذا لا تبث ساعة غنائية تقديرا لصوت طلال مداح مثلا تهذيبا لذائقة الأجيال الجديدة التي لم تعد تعرف كيف تستمع إلى الطرب الرفيع واكتفت بأغان وكلمات مبتذلة إلا فيما ندر . وبما أنني من عاشقات صوت طلال مداح فسأطالب القناة الثقافية متمثلة في مديرها الأستاذ عبدالعزيز العيد بتخصيص حيز من برامجها بشكل يومي لبث أغاني طلال مداح فليست القنوات الخليجية بأكثر وفاء منها لطربها الأصيل. لن أكتب عن أغاني طلال لأن الجميع كتب عنها لكني سأكتب عن ذلك الصوت الذي كلما كبرت ارتبطت روحي به. صوت الأرض الذي لن يتكرر أبداً. معظم أغاني طلال ملهمة تتقافز على حبل صوتها الطيور الملونة التي هاجرت من مدن وبلاد شتى لتسكن إلى جوار ذلك البلبل وتتناسل على ترنيمه. إنه طلال مداح الذي تحدى أصعب الظروف برغم ما تلقاه في حياته من صدمات بسبب سوء التلقي والتطرف الذي حل في تلك الفترة قبل وفاته. قليل جداً من الفنانين توفي وهو على المسرح . توفي طلال وقد غنى حتى آخر قطرة من دمه أعذب الأغاني التي لم يزل يرددها جيل تنفس صوت وإحساس وصدق طلال الذي لا يضاهى بدليل خلود أغنيته القديمة المتجددة وطني الحبيب برغم بساطة كلماتها إلا أن أداء طلال المخلص هو السر وراء خلودها. على صوت طلال تكتب الأحاسيس فضاءها الحزين الذي يتحسف على أنه لم يلتق طلال على مسرحه وهو يشدو كما طائر أسطوري انقرض برحيل طلال إلى سماء تأنس بنهر صوته دون ارتواء.