تنتشر الذاكرة المرئية النادرة لشبه الجزيرة العربية في المصادر الأجنبية المختلفة، يلتقط الأستاذ أسامة بن سليمان الفليّح تلك الذاكرة ليضعها بين متابعيه عبر موقع التواصل الاجتماعي : تويتر .. استضفناه ليجيب على الأسئلة الحوارية حول هواية استعادة تلك الذاكرة المرئية والحياة الاجتماعية التي تعكسها، بالإضافة إلى أسئلة أخرى .. فإليكم الحوار : * سنسألك السؤال التقليدي كما يُسأل صاحب أي هواية؛ متى وكيف بدأت معك هواية جمع الصور القديمة؟ الهوايات عديدة أخي حمد وبعيدة كل البعد عن جمع واقتناء الصور النادرة، وهذه بالأصح ليست بهواية, فهي حسب التعبير الصحيح : استخلاص لمجموعة كبيرة جداً من الوثائق والكتب الاستشراقية التي تتحدث عن العرب منذ قرون، سواء على مستوى الجزيرة العربية أو على البلدان المجاورة لها، وكان أول اهتمام لي في التسعينات الميلادية أي قبل: 18 عاما. * لماذا الذاكرة المرئية لشبه الجزيرة نجدها دائما عند الأجنبي؛ وكيف يمكن استعادة ذلك الإرث؟ في ذلك الوقت لم تتوفر الإمكانيات للدول العربية بشكل عام باستثناء شركات الزيت والنفط هي التي تهتم بتوثيق أعمالها مرئياً، ونصياً، وأيضا نحن لم نهتم بهذه الأمور إلا بعد الستينيات والسبعينيات الميلادية، لأننا دائما لا نتقبل أي تقنية حديثة إلا بعد مضي الوقت، والدليل على ذلك: الراديو والتلفزيون والكمبيوتر وغيرها من الوسائل الحديثة، وأما بخصوص استعادة هذا الإرث فهذا من أعمال المؤسسات ومراكز البحوث الوطنية بالإمكان أن تتواصل مع جميع المكاتب الوطنية العالمية، وتطلب كل ما يخص المملكة سواء وثائق أو صور أو كتب وما شابه ذلك. * ما أبرز المصادر الأجنبية المحددة التي تأخذ منها تلك الصور القديمة ؟ المصادر كثيرة لا تعد ولا تحصى، وأنا دائماً أتتبع الرحلات الاستشراقية سواء البريطانية أو الأمريكية، أو الفرنسية، أو الألمانية، أو الهولندية، بالرغم من الكم الهائل من الكتب والوثائق المترجمة في مكتبة والدي - رحمه الله - وساعدتني أيضا قراءاتي للوثائق والصحف الأجنبية التي نقلت أخبار الجزيرة العربية وما حولها بالقرنين التاسع عشر والعشرين، والباحث: إن لم يقرأ لن يجد أياً من النوادر سواء الوثيقة أو الصورة، وتعتبر الصور جزءا بسيطاً جداً من البحوث. * المُتابع لتغريداتك بدقة يجد أنك تذكر بعض مصادر الصور القديمة وتخفي بعضها ما السبب في ذلك؟ المشكلة الأساسية عدم اهتمامي بشكل فعلي ودقيق مع مواقع التواصل الاجتماعي، وربما أكون مقصراً، ولكن أغلب الصور الفوتوغرافية النادرة جمعتها بكتابي ( عدسة التاريخ) الذي صدر عن المجلة العربية في عام 2015م وذكرت كافة المصادر والتواريخ. * المتابع لبعض الأفلام الهوليوودية التي تطرقت لأحوال شبه الجزيرة العربية يجد بعض الصور المشوهة عنها، كيف يمكن تصحيحها؟ نحن حتى على صعيد المسلسلات والأفلام العربية التي تحكي عن الجزيرة العربية وقبائلها مشوهون، والدليل على ذلك هو المسلسلات البدوية في رمضان، وأعتقد حسب رأيي أن المعالجة والتصحيح يتم بنفس الطريقة ونفس الإمكانيات الفنية، وأعتقد أن هناك الكثير من المبدعين السعوديين والخليجيين قادرين على هذا العمل، و(الهوليوديين) دائما يبحثون عن الإثارة. * لماذا لا يكون جهدك منضويا تحت مؤسسة رسمية كأن تكون مثلا ضمن مجلة أو صحيفة رسمية حتى توثق جهودك في لملمة ذلك الإرث بدلا من شتات جهد تويتر الذي قد يكون عرضة للسرقة؟ أنا مرحب بالجميع، وسبق أن تم التعاون مع المجلة العربية وتم إصدار مجموعة بكتاب مصور (عدسة التاريخ) فالشكر لها ولرئيس تحريرها الأستاذ محمد السيف. * ما مدى تقييمكم للعلاقة بين المؤسسة الرسمية التي تُعنى بالتاريخ وجهود الأفراد الذين يسعون لحفظ إرشيف البلاد، هل تلقيتم دعما من بعض تلك المؤسسات الرسمية مثل دارة الملك عبدالعزيز؟ لا أعلم بصراحة، ولم أتلق أي دعم من أي مؤسسة، وأنا أعمل بجهد فردي ومستمتع بهذا العمل. * هل هناك أي جهد منظم من أجل لملمة الذاكرة المرئية لشبه الجزيرة العربية من الإرشيف الأجنبي وجعله في مكان واحد؟ نتمنى مستقبلا أن تبادر المؤسسات الوطنية والجامعات، ومراكز البحوث العلمية، بجمع هذا الإرث. * هناك اتجاه ودعم قوي من قبل هيئة السياحة لأصحاب المتاحف الشخصية، هل يمكن أن نرى متحفا خاصا بك في المستقبل؟ هيئة السياحة حققت إنجازات عظيمة خلال الأعوام الأخيرة، ومنها تدشينها لعدة برامج فعاله تهتم بالمتاحف والآثار والتراث بشكل عام و يشكر على هذا الإنجاز صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان، أما بخصوص متحف خاص بي لا أعتقد لسبب عدم تفرغي. * المتابع لحسابك التويتري يجد بعض المقاطع الوثائقية القصيرة والتي يتضح أنها من أفلام وثائقية قديمة، هل يمكن استعادة تلك الأفلام وترميمها بحيث تعرض بشكل أفضل عبر مصادر مختلفة؟ أغلب هذه الوثائقيات تم عرضها قبل نصف قرن أو كثر، في القنوات والبرامج الوثائقية الأجنبية وأغلبها تتعلق بالحرب العالمية الأولى، وربما الجهات المختصة قادرة على أن تستعيدها وترممها مستقبلا. * المتأمل عند بعض مستخدمي تويتر استعمال صورة قديمة واحدة وتوظيفها للتدليل على وضع اجتماعي أو ثقافي عام خلال حقبة زمنية معينة وعليها قد تبني تصورات أو أحكام عن تلك المرحلة؛ فهل صورة واحدة تعتبر دليلا على ذلك؟ للأسف هذا هو السائد بمواقع التواصل الاجتماعي، ومواقع الإنترنت، وربما تكون من جهل وقلة اطلاع، والصور ليست بدليل قاطع، والرحالة مبالغون حتى على مستوى التصوير. وهناك مثل عربي يقول: (صاحب البيت أدرى بالذي فيه) بمعنى أن لا نحكم من خلال الصورة أو ما كتب الرحالة. * المتابع لأغلب الصور القديمة التي تغرد بها نجد أنك تركز على رجال و مشايخ القبائل، ما السبب في ذلك؟ أنا نشرت ما يقارب (5500) صورة فوتوغرافية على تويتر، فجميعها تختلف ما بين: ملوك، وأمراء، ووزراء ،وشيوخ، وأعيان، وحاضرة، وبادية ولم أركز على فئة أو مجتمع معين. * بعد اطلاعكم على العديد من نوادر الصور القديمة والوثائق والمخطوطات القديمة لشبه الجزيرة العربية، كيف يصف الأستاذ أسامة الفليّح الوضع الاجتماعي والثقافي في تلك الفترة لاسيما التي تزامنت مع قدوم العديد من الرحالة الغربيين للبلاد العربية بشكل عام ولشبه الجزيرة العربية بشكل خاص؟ الحياة الاجتماعية بشكل عام في الجزيرة العربية قائمة على احترام الجميع وترابط عميق، وصلة رحم، وأيضاً قائمة على أخلاقيات وعرف وعادات وتقاليد عربية أصيلة، وهناك مكانة كبيرة للمرأة والطفل بعكس ما يشاع بالروايات الشفهية المتأخرة، وأما بخصوص ثقافة الجزيرة العربية فهي ثقافة الكرم، والشجاعة، والأصالة، ويحفظون الأساطير والأشعار العربية منذ عهود الأولين، ولو في ذاك الزمن أجادوا الكتابة والقراءة لحصلنا على الكثير من الجوائز العالمية بالشعر والرواية، سواء باللغة أو بالسرد. * من يقرأ زاوية والدكم الأستاذ الأديب سليمان الفليح - رحمه الله - الذي يعد من العلامات المضيئة في الذاكرة الثقافية، الموسومة ب « هذرلوجيا « يجد ثقافة عميقة من أين استمد والدكم تلك الثقافة ؟ وهل لوالدكم أثر ودور في هواية جمعك للصور القديمة؟ والدي رحمه الله، منذ صغره اهتم بحفظ القصائد والروايات الشفهية الشعبية من معمري القبيلة، وكان أيضا شاعرا ورحالة، وكانت ثقافته ثقافة ابن الصحراء، وأيضا كان يحفظ من القصائد العربية وكان يهتم بصعاليك العرب سواء بشعرهم أو أساطيرهم، وحياتهم، وممارساتهم الفوضوية وكان يعتبر نفسه أحدهم. ومن هنا كانت الانطلاقة العظيمة. وهو من أدخلني إلى عالم الترحال، والشعر، وحب جميع البشر أسال الله أن يرحمه ويغفر له ويسكنه في جنات النعيم.