كما يعلم الجميع، انخفضت قيم التداول اليومية لسوق الأسهم السعودية مؤخرًا إلى مستويات مخيفة بلغت ما دون 2 مليار ريال في بعض الجلسات وهي بلا شك مستويات مقلقة جدًا للمستثمرين والمضاربين على حد سواء عدنا بها إلى مستويات أكثر من 15 عامًا، والحقيقة أن السوق بعد أن سجلت أعلى مستوياتها التاريخية في قيم التداول عند متوسط يومي بلغ 21 مليار ريال في عام 2006م وهي منذ ذلك الحين تسجل مستويات منخفضة تدريجيًا عامًا بعد عام حتى بلغ متوسط قيم التداولات اليومية لعام 2014م نحو 8.5 مليار ريال ولعام 2015م نحو 6.6 مليار ريال! وعندما ندرك حقيقة انخفاض التداول اليومية في سوق الأسهم السعودية بهذا الشكل، فإننا حتمًا سندرك معها حقيقة فقدان ميزة مهمة كانت تميز السوق السعودية عن بقية أسواق المنطقة ألا وهي ميزة «السيولة» التي كانت مصدر جذب مهم للمستثمرين وللمضاربين وللشركات، حيث إن انخفاض قيم التداول اليومية سيجعل من قرارات شراء أو بيع الأسهم (الدخول والخروج) أكثر صعوبة وسيجعل من أهمية السوق كمصدر رئيس لتمويل الشركات (بتحولها من شركات مساهمة مغلقة إلى شركات مساهمة عامة) ليس له أي قيمة بمجرد أن نشاهد فشلاً واحدًا فقط لتغطية اكتتاب عام وهو أمر متوقع تتزايد احتمالاته يومًا بعد يوم. لا شك أن الدورة الاقتصادية الجديدة التي تعيشها أسواق النفط العالمية هي السبب الأهم في انخفاض المعروض النقدي في اقتصاديات الدول المصدرة للنفط ومن بينها اقتصاد المملكة وهذا له تأثيراته المباشرة وغير المباشرة على تدفقات السيولة للأنشطة المختلفة داخل الاقتصاد السعودي كالأسهم والعقارات وغيرها، لذلك استطيع القول بكل أسف أنه في ظل استمرار انخفاض متوسط أسعار النفط العالمية ما دون 50 دولارًا أمريكيًا لفترة زمنية طويلة فإن هذا حتمًا لن يساعد على تحسين مستويات السيولة داخل الاقتصاد الوطني ولن يغير كثيرًا من الواقع الصعب الذي تعيشه حاليًا قيم التداولات اليومية لسوق الأسهم السعودية. بل إننا قد نشهد مستقبلاً مزيدًا من الانخفاض في قيم التداول اليومية لسوق الأسهم السعودية بعد إعلان تداول في شهر مايو الماضي عن موافقة هيئة السوق المالية على تعديل المدة الزمنية لتسوية صفقات الأوراق المالية لتكون خلال يومي عمل لاحقة لتاريخ تنفيذ الصفقة بدلاً من التسوية الفورية التي من المتوقع أن يبدأ العمل بهذا التعديل خلال النصف الأول من العام المقبل 2017م! مما يعني أن جزءًا كبيرًا من المضاربات اليومية للأسهم (الضعيفة أساسًا حاليًا) التي تعتمد على مبدأ التسوية الفورية لصفقات شراء وبيع الأسهم قد تختفي مستقبلاً وهذا قد يزيد الضغط على قيم التداول اليومية. إضافة إلى ذلك وبكل أمانة، فإن مشروعات الخصخصة الحكومية (والتي من المتوقع أن تشهد نشاطًا مكثفًا خلال المرحلة المقبلة) فهي الأخرى ربما تضغط على قيم التداول اليومية بشكل مباشر أو غير مباشر على اعتبار أن يستثمر في سوق الأسهم السعودية ربما سيجد فرصًا استثمارية مغرية في مشروعات الخصخصة تقدم له عائدًا ومخاطرة أفضل من تلك التي يجدها في الشركات المدرجة في سوق الأسهم أو تلك سيتم طرحها من خلال الاكتتابات العامة، مما يدل على أن الصورة المستقبلية لقيم التداول اليومية في سوق الأسهم ستبقى غير واضحة المعالم حتى إشعار آخر والله أعلم.