في الانتخابات الأمريكية، لا يمكن التنبؤ بالفائز بالرئاسة، حتى الأيَّام الأخيرة، أي قبيل يوم التصويت، باستثناء حالات قليلة، كان البون شاسعاً منذ بداية التنافس، بين المرشحين الديمقراطي والجمهوري، مثل انتخابات عام 1948، بين الرئيس الجمهوري رونالد ريجان، وعضو مجلس الشيوخ، الديمقراطي والتر مونديل، ومونديل كان سياسياً بارعاً، لكن حظه السيئ جعله في مواجهة نجم جماهيري، وصاحب كاريزما آسرة، أي الممثل الهوليودي السابق ريجان. وذات الشيء حصل في انتخابات عام 1996، بين الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون، ومنافسه الجمهوري، بطل الحرب، وعضو مجلس الشيوخ، بوب دول، والذي كان شيخا يناهز السبعين من عمره، في مواجهة شاب ذي شعبية جارفة، وما عدا مثل تلك المواجهات، فإنَّ التنبؤ بفوز أحد المرشحين صعب، لأن أي حدث مستجد، من الممكن أن يقلب الموازين، مثلما حدث في انتخابات 2004، عندما تسرب، أو تم تسريب شريط لأسامة بن لادن، قبيل يوم التصويت، وهو الشريط الذي هدد ابن لادن من خلاله بالقيام بعمل إرهابي، وقد جاء ذلك لصالح رئيس الحرب، جورج بوش الابن، ضد المرشح الديمقراطي، جون كيري. قبل أسابيع قليلة، جزم كثيرون بفوز المرشحة الديمقراطية، هيلاري كلينتون، على منافسها الجمهوري، دونالد ترمب، عندما كانت تتقدم عليه بأكثر من عشر نقاط، ولكن هذه الأيام، اقترب ترمب من كلينتون، في استطلاعات الرأي، خصوصاً في الولايات المتأرجحة، وهو الأهم، إِذْ يبدو أن ترمب، وبعد أخطائه الجسيمة، وبمساعدة من الحزب الجمهوري بالتأكيد استعان بخيرة خبراء العلاقات العامة، وخيرة الاستراتيجيين الجمهوريين، فقد خفت حدته بشكل كبير، وزار دولة المكسيك، بلد الأمريكيين من أصل مكسيكي، وهم الشريحة التي غضبت منه، بسبب موقفه غير الودي من المهاجرين، ومطالبته ببناء جدار، يفصل بين المكسيك وأمريكا، كما زار كنيسة للسود، وألقى كلمة موزونة، حاول قدر جهده من خلالها إبداء كل التعاطف مع قضايا السود، وقد يكون الوقت متأخراً، كما أشار بعض المعلقين، ولكن استطلاعات الرأي الأخيرة تقول غير ذلك! يعلق ترمب أملاً كبيراً على الولايات المتأرجحة، وهي آمال معقولة، فهذه الولايات تشمل ميتشجن، عاصمة صناعة السيارات العالمية، وبنسلفانيا، وأوهايو، وهي ولايات معظم ناخبيها من المواطنين البيض، من الطبقة العاملة، وهي شريحة مهمة جداً لأي مرشح، وهذه الشريحة تميل لأطروحات ترمب، فيما يتعلق بالحد من الهجرة، وآراؤه المحافظة من الأقليات التي تزاحمها في عملها، ويبدو أن حملة ترمب تسير في الاتجاه الصحيح، وعلاوة على ذلك، فقد تحدث كارثة إرهابية، أو تهديد أمني للولايات المتحدة، قبيل يوم التصويت، وهذا سيقلب الموازين رأساً على عقب لصالح ترمب، والخلاصة، هي أن الأسابيع القادمة ستكون حامية الوطيس، فالجمهوريون لا يحتملون الخسارة للمرة الثالثة على التوالي، وسيفعلون المستحيل للحيلولة دون ذلك، يساندهم في ذلك الإعلام المحافظ، بزعامة قناة فوكس اليمينية، والتي تستنفر كل طاقاتها لخدمة حملة ترمب، فلا تجزموا بفوز هيلاري كلينتون بالرئاسة، فالوقت لا زال مبكراً، وقادم الأيَّام قد يحمل مفاجآت لا تخطر على بال!