اختتمت قمة مجموعة الدول العشرين الأكبر اقتصادياً بالعالم أعمالها في الصين قبل يومين والتي خرجت بجملة من التوصيات والإجراءات بهدف دعم النمو بالاقتصاد العالمي عبر وسائل وطرق ركزت على الابتكار وعدم الركون للإجراءات التقليدية كخفض الضرائب والسياسات المالية والنقدية المرنة لأنها لن تكون كافية لاستدامة النمو بالاقتصاد العالمي الذي يشهد تباطؤ مقلق. لكن تركيز القمة على محاربة الحمائية وأيضاً سياسات الإغراق للصلب تبدو لافتة، فالغريب انه ومنذ انطلاقة أعمال مجموعة العشرين على مستوى القمة التي تبعت الأزمة المالية العالمية عام 2008م ولم ينقطع الحديث عن الحمائية وضررها ومحاربتها بكل قمة تعقد تقريباً دون أن يتم الحد منها!! هذا بخلاف ما تحذّر منه منظمة التجارة العالمية وبقية الجهات الاقتصادية الدولية من مخاطر الحمائية على الاقتصاد العالمي وإضعاف للتجارة الدولية والتنافسية العادلة بين الدول، بل حتى إنها تسحق إن صح التعبير أي ميزة قد تمتلكها دولة فقيرة بأي زراعة أو صناعة مما يزيد من مشاكلها الاقتصادية ولذلك نرى القمة شددت كثيراً على مكافحة الحمائية؛ وبمعنى أدق هو تحذير من حرب اقتصادية قد تقع بين الاقتصادات الكبرى مما سيلحق ضرراً بالغاً بالاقتصاد العالمي. لكن مثال الحمائية ما هو إلا تعبير عن حجم الخلافات بين القوى الكبرى بالمجموعة، فمعروف أن الصين تختلف مع أميركا في قضايا عديدة كبحر الصين وبعض الجوانب التجارية وأيضاً تختلف الصين مع اليابان بقضايا سياسية واقتصادية بينما أميركا تختلف مع روسيا على ملفات كثيرة من بينها الملف السوري فيما تختلف روسيا مع اليابان على ملف الجزر التي تقول اليابان إنها لها وتقع تحت سيطرة روسيا حالياً أما بريطانيا فتختلف مع دول الاتحاد الأوروبي بسبب انسحابها منه مؤخراً وتختلف أيضاً مع روسيا سياسياً وكذلك مع الصين في قضية المحطة النووية بينهما فيما الاتحاد الأوروبي يطبّق عقوبات على روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية؛ بمعنى أن خلافات عميقة سياسية واقتصادية تتجذّر في قلب المجموعة وبين أكبر اقتصادياتها وهذا سينعكس سلباً على تطبيق أي تفاهمات تعتمد بالقمة مما سيؤثّر على أهداف القمة ويضعف من آثارها إذا لم تنح هذه الخلافات جانباً ولا يكون لها تأثير على الاقتصاد العالمي أو تحل بطرق مرضية لكل الأطراف وكل هذه الاحتمالات تبدو صعبة التحقق سريعاً. إن مجموعة العشرين تعد الآن أحد أهم اللقاءات التي تنتظر سنوياً نظراً لما تحمله من قدرات يمكن امتصاص وتفادي أي أزمة اقتصادية من خلال تفاهم أعضائها لكن لا يبدو ذلك يسيراً ما لم تعالج الخلافات بين الدول الكبرى حتى يمكن للعالم أن يتنفس ويستطيع أن يحقق معدلات نمو اقتصادي جيد وأكثر عدالة عالمياً كي تتمكن الدول الفقيرة من انتشال نفسها من الوضع الاقتصادي السيئ عليها وهذا يتم عبر التزام الكبار بالعمل الجاد على دعم النمو بالاقتصاد العالمي مما سينعكس على كل الدول بأفضل النتائج والإيجابيات الممكنة وإلا فإن العالم موعود بأزمات أشد شراسة مما سبق؛ لأن ذخيرة الدول الكبرى استنفدت تقريباً بالإجراءات المالية والنقدية التي قامت بها منذ ثمان سنوات ولا يمكن أن تستمر بنفس النهج لانعدام الفاعلية إذا عادت أي أزمة اقتصادية أو مالية فإنها ستكون بنتائج سلبية كبيرة ستأخذ وقتاً طويلاً للخروج من تبعاتها، فالحل يبقى بالتعاون الجاد والصادق بين أعضاء المجموعة خصوصاً الكبار من حيث الناتج المحلي وحصص حجم التجارة العالمية.