يقول صلاح عبد الصبور في قصيدة بعنوان «أحلام الفارس القديم»: أعطيك ما أعطتني الدنيا من التجريب والمهارة لقاء يوم واحد من البكارة. ويشرح الدكتور سعد البازعي في كتابه «الألفة والغرابة» ويقول: (وواضح أنّ البكارة هنا هي الغرابة، أو نقيض الألفة. يريد الشاعر أن يقايض ما كسبه من خبرات ومهارات طوال حياته بيوم واحد، واحد فقط تعود فيها الأشياء إلى بكارتها الأولى فحين كانت الأشياء بكرًا كما هي للأطفال فإنها تومض بالدهشة المتواصلة). وأنا هنا أفكّر بدهشة القراءة حينما كنا أطفالا، وما تحمله لنا من خيالات لا يمكن اللحاق بها، فعالم الأدب كان يفوق قدرة السفر على التنقل من مكان لآخر، ومن تلبس شخصيات بأخرى، واستشعار آلام ومشاعر الآخرين. مع العمر والتجربة، تذوب هذه الدهشة قليلا، وهذا الصخب الداخلي الذي يتفاعل مع الأدب يخبو. كما أقع في تساؤل لطالما لاحقني.. هل كانت قراءة روائع الأدب العالمي في عمر صغير خيارا موفقا، حين كانت الدهشة مشعة؟ أم أنه علينا الاطلاع عليها حينما كبرنا لنستطيع فهم عمقها وفلسفتها أكثر؟ وهل سنحصل على نفس الدهشة؟ لابد أن قراءة روائع الروايات العالمية منذ الصغر كوّنت أفقًا واسعًا، ولكن هل قراءة روائع الأدب في الطفولة وهي مختصرة ومختزلة خيار عادل للقارئ اليافع؟ وهل المتذوق للأدب العالمي يحسن به أن يعود ليقرأ ما بدأ به في صغره ليفهم ما فاته من فلسفة، أم أنه لا يعود إليها ليحتفظ بدهشة البكارة الأولى للقراءة؟! لقد قال الأديب مارك توين إن أجمل تعليق سمعه من أحد قراءه، حينما التقى في القطار بقارئ لا يعرفه، فقال له ذلك القارئ: إنني معجب بأدبك إلى درجة أنني لا يمكن أن أكرر قراءة نفس العمل لك.