كشفت أزمة قبول الطلاب والطالبات في الجامعات الحكومية للعام الدراسي القادم، أنّ وزارة التعليم تعاني من مشكلات عميقة متجذرة، تستدعي وضع حلول عاجلة على المدى القريب وحلول متأنية على المدى البعيد . إنّ من العيب أن نعود إلى الوراء مرة أخرى ليتسول أبناؤنا التعليم الجامعي في البلدان العربية القريبة كالسودان أو الأردن أو مصر، بعد أن لم يتم قبول أعداد كبيرة من المتقدمين من الجنسين، مع احترامنا وتقديرنا لأشقائنا العرب، ولنتخيل لو أنّ مشروع خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي توقف أو قلص فكيف ستكون معاناة الطلاب الراغبين في الدراسة الجامعة وما فوقها ؟! لا شك أنّ إخفاق آلاف الطلاب في الحصول على قبول في الجامعات، على الرغم من أن كثيرين منهم حصلوا على نسب عالية جداً في التراكمي العام في المرحلة الثانوية، وتقديرات جيدة في التحصيلي والقياس، سيدفع بكثيرين منهم إلى طلب الالتحاق بمشروع خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي ؛ فإن لم تتحقق رغباتهم فسيضطر كثيرون منهم إلى الالتحاق بالجامعات الخاصة إن كانت مقدرتهم المالية تساعدهم على ذلك، وهي تكاليف عالية جداً لا يقدر عليها إلا ذوو العزم المالي، وسيجد عدد ليس بالقليل منهم أنّ الالتحاق بجامعات الدول العربية على حسابهم الشخصي هو الحل متحملين أيضاً ضغط التكاليف المالية الثقيلة . إنّ التشدد في إجراء تطبيقات اختبارات القياس الذي يفترض أن يفحص نتائج تعليم اثني عشر عاماَ في المراحل الثلاث قبل الجامعة يحمل الذنب على الطلاب وحدهم ؛ بينما هم في الحقيقة ضحايا لعوامل متعددة ليسوا هم إلاّ عاملاً واحداً فقط ؛ فضعف تحصيلهم في القياس لا يعود لهم وحدهم ؛ بل إنّ الأسباب الرئيسة تكمن في المعلمين، وفي البيئة التعليمية المتكاملة من مناهج وطرق تعليم ومدارس ومختبرات واختبارات وعوامل التحفيز أو الجزاء للمعلمين وللطلاب على السواء . ونتائج القياس حين تكشف الفوارق الشاسعة غير المقنعة بين الدرجات العامة المتراكمة في الثانوية، تبيّن عن ضعف عام في طرق التعليم أو عدم جدية أو تفشي ظاهرة الغش والاتجار بالتعليم والتكسب الفاحش به واتخاذه تجارة في دكاكين التعليم، بحيث تحشى الدرجات للطلاب حشواً وتكب كباً في شهادات الامتحانات في كل فصل ومع نهاية كل مرحلة في المدارس الخاصة، وحين يتقدم طلابها لامتحان القياس تتكشف عورات دكاكين التعليم التجارية التي تستأجر الفلل الصغيرة في الأحياء، منتهكة شروط البيئة التعليمية السليمة. وفي حالة أخرى على النقيض من بؤس وشح دكاكين التعليم في الأحياء الفقيرة أو المتوسطة الدخل ؛ نجد المباهاة والفخفخة الفارغة وبالأسعار العالية جداً في المدارس الممتازة من حيث توفر الشروط في المباني الفخمة والتجهيزات الأخرى، بحيث يكون الالتحاق بهذه المدارس الخاصة النموذجية مدعاة تفاخر وتباهٍ اجتماعي؛ حتى لو كان التحصيل العلمي فيها ضعيفاً، المهم أن تمنح الدرجات بسخاء على قدر الأموال السخية المدفوعة؛ ليتمكن طلاب هذه المدارس أو تلك من الالتحاق بالجامعات الحكومية . ومعالجة الخلل ليس في التشدد المتعنت للقبول في الجامعات ؛ بل في إصلاح التعليم ما قبل الجامعات، من الابتدائي إلى الثانوي . مر عليّ طلاب في الجامعة وهم على وشك التخرج لا يحسنون كتابة الهمزات ولا الألف المقصورة من الممدودة ولا التاء المفتوحة من المربوطة، ولا يعلمون الفرق بين الفاعل والمفعول فيه ؛ بله الفرق بين المفعول معه أو المفعول من أجله! مر عليّ طلاب لا يستطيعون قراءة سطر واحد بأداء لغوي سليم ؛ فكيف بكتابة عشرة أسطر خالية من اللت والعجن والفحش في الأخطاء النحوية والإملائية . نحن نعاني من أزمة تعليم في المراحل الأولى يا معالي وزير التعليم! لا من أزمة قبول للتعليم الجامعي فحسب! نحن نعلم ولا نعلم ؛ بل نزيد الطلاب جهلاً بأصول المعارف والثقافة العامة! تخرّج مدارسنا أسماء تحمل شهادات مختومة، ثم تدخل إلى الجامعات لتتخرج أيضاً بشهادات أخرى مزينة مختومة ؛ ولكنها خواء أقرب إلى أن تكون كسابقتها دون إضافات تذكر!. ومع تراكم ضعف مستوى التعليم العام سنة بعد أخرى تتراكم أيضاً الحاجة إلى افتتاح مزيد من الجامعات لتستوعب آلاف المتخرجين من الثانوية كل عام.. يتبع