الأسرة هي نواة المجتمع ومصدر نمائه وتكوين كيانه المجتمعي والتربوي وهي تمثل الحاضنة الأولى للأبناء والراعي الرئيس لاحتياجاتهم والحامي للمجتمع من التفكك والانحلال، وذلك لتعدد الوظائف التي تقوم بها الأسرة (النفسية والاجتماعية والاقتصادية والبيولوجية والتربوية والعقلية). وقد أولت رؤية المملكة 2030 اهتمامًا بالغًا بالعناية بالأسرة حيث جاءت تحت أهم المحاور التي ترتكز عليها رؤية المملكة وهو المجتمع الحيوي الذي يعتبر أساسًا لتحقيق هذه الرؤية وذلك بجعل بنيانه متينًا من خلال تمكين الأسرة وتسليحها بعوامل النجاح اللازمة لتمكينها من رعاية أبنائها وتنمية ملكاتهم وقدراتهم. وقد كان من أبرز عوامل النجاح التي التزمت الرؤية بتقديمها هو تشجيع الأسرة على بناء ثقافة التخطيط بما يتناسب مع الإمكانات المتاحة لها وبما يمكنها من توفير احتياجات أبنائها والعناية بهم. واقتُرن بناء ثقافة التخطيط للأسرة بعبارة: بما يتناسب مع الإمكانات المتاحة لهذه الأسرة؛ وفي هذا توجيه جميل وهادف يدفع الأسرة بالتفكير في المستقبل المقبل والتخطيط له بطموح متوازن يراعي فيه جوانب عديدة من أهمها الإمكانات المتاحة لها. هذا لا يعني غلق باب الأحلام والطموحات ولكن التخطيط المحكم وحساب الخطوات المقبلة بالدراسة والتمحيص والتدرج الزمني لتلك الخطوات من أسباب بلوغ الغايات وتحقيق الأهداف. كثير من المشكلات الأسرية والخلافات وأسباب الطلاق تعود إلى الوضع الاقتصادي لتلك الأسرة التي فرضتها الظروف المجتمعية والناتجة عن التغير السريع الذي يمر به المجتمع ويؤثر في كل أجزائه بما فيهم الأسرة، وارتفاع سقف عجز الأسرة عن إشباع رغبات أفرادها غير الأساسية (الثانوية) مما يجعل كثيرًا من الأبناء يعيشون حالة من الاكتئاب والشعور بالنقص وتدني تقدير الذات وخصوصًا أن الشباب والفتيات في هذه المرحلة يميلون إلى التقليد والاندفاع مما يوجد اتجاهات لديهم وفقًا لما يسمونه بالثقافة الشبابية قدوة تتوافر فيها الحداثة والعصرية حتى يواكبوا التغير وهذا يجعلهم قد يتجهون وجهات لا تتوافق مع القيم والعادات والتقاليد الأصيلة في المجتمع والمستمدة من ديننا الإسلامي. لذا نحن بحاجة فعلاً إلى تعزيز قدرة الأسرة على استشراف المستقبل والتخطيط له ببرامج تطويرية تسهم في تقديمها جميع مؤسسات المجتمع المدني ولعلنا هنا نشير إلى عدد من الخطوات التي ينبغي البدء بها للمساهمة في دعم ثقافة التخطيط لدى الأسرة: - تعزيز الهوية الوطنية لكافة أفراد الأسرة والحرص على النموذج القدوة في ذلك أمام الأبناء وجعل حماية أوطاننا وممتلكاتنا من أولويات وواجبات الأسرة. - ضرورة وضع استراتيجية للروتين اليومي للأسرة ومشاركة الأبناء في بنائه وإقراره والعمل به، مع مشاركتهم في صنع القرارات ووضع الميزانيات والخطط المستقبلية للأسرة وتشجيعهم على ممارسة التفكير الحر المتوازن والمشاركة في تكوين الرأي للجميع. - توعية الشباب والفتيات بحاجة الوطن لهم وضرورة إحساسهم بالمسؤولية المجتمعية التي تقلل من حب الذات والأنانية والفردية. - تدريب الأبناء على الاستقلال والاعتماد على النفس، وإشعارهم بأنهم جيل الشباب جيل العمل والإنتاج، جيل القوة، والطاقة، والمهارة، التي تحتاجها الأسرة والمجتمع معًا. - أهمية تشجيع أفراد الأسرة على المشاركة في جميع شؤون مجتمعهم المحلي والقومي حيث إن المشاركة الشعبية والتطوعية إحدى الوسائل التي تسهم في التعرف على مسيرة وخطط التنمية ودعمها. - توفير فرص التعبير للأبناء عن آرائهم واتجاهاتهم ورغباتهم مع الحرص على تشجيعهم على استثمار وقت فراغهم بما ينفعهم في دينهم ودنياهم، وتوجيه طاقاتهم لممارسة الأنشطة الثقافية والرياضية والصحية. - تبصير الشباب بالمشكلات التي يمكن أن يتعرضوا لها مستقبلاً نتيجة الاحتكاك برفقاء السوء مثل (التدخين - الإدمان - وغيره) مع ملازمتهم ومتابعة سلوكهم وفتح باب الحوار معهم وتوجيههم التوجيه الأبوي الهادئ الذي يشعرهم بالأمان والحماية من رفقاء السوء. أسأل الله أن يديم على وطننا الغالي نعمة الأمن والأمان وأن يحفظ ولاتنا وقيادتنا وشبابنا وفتياتنا من كل سوء ومكروه أنه على ذلك لقدير.