تحدثت في المقالة السابقة عن بعض ما أورده البيروني في الفصل الذي خصصه لشعر الهنود وعروضهم. ويلفت النظر في نصه السابق تركيزه على موازاة ما هو معروف في العروض العربي من استعمال مبدأ حركة وساكن في التقطيع الشعري بما سماه التقدير الوزني, وقد استعمل كلمة (ماتر) ولعلها من (الميتر) وورودها غريب جدًا في نص البيروني, ويلمح من كلامه أنه يعي أن ثمة فرقًا في طريقة الوزن والتقدير. وهذه نقطة مهمة سأعود إليها بعد الفراغ من تحديد معنى ( رجل ) و ( أرجل ) في النص التالي, مع تتبع كلمة ( ماتر ) الواردة في نصه. أما نصه الذي ورد فيه مصطلح (أرجل) ففيه يقول: «وكما أن أبيات العربية تنقسم لنصفين بعروض وضرب، فإن أبيات أولئك أيضًا تنقسم لقسمين يسمى كل واحد منهما رجلاً وهكذا يسميها اليونانيون أرجلاً. ما يتركب منه من الكلمات سلابى والحروف بالصوت وعدمه والطول والقصر والتوسط؛ وينقسم البيت لثلاث أرجل ولأربع وهو الأكثر وربما زيد في الوسط رجل خامسة ولا تكون مقفاة.» وهذا النص للبيروني هو أول نص - حسب علمي - يشير إلى أن مصطلح (أرجل) مستعمل لدى الهنود؛ ففي النصوص السابقة جاءت الإشارات إلى (الأرجل) مضافة إلى العروض اليوناني. ونلاحظ أن البيروني يذكر أيضًا - كما ذكر العلماء العرب من قبله - إن ( الأرجل ) مستعملة لدى اليونانيين. ومما يلفت النظر هنا هو أن فهم البيروني لمصطلح (الأرجل) يجعله بموازاة الشطر من البيت, وهو - حسبه أيضًا - يقابل العروض والضرب في مصطلحات العروض العربي. ولكنه وعلى مسافة جملة واحدة بعد ذلك يقول إنه قد يتكون البيت من رجلين أو ثلاثة وأقصاها خمسة أرجل بدون تقفية. وحسب هذا الفهم يبدو أن ثمة رجلاً كبرى قد تحوي داخلها أرجلاً صغيرة؛ إذ في البداية كانت (الرجل) مقابل الشطر بعروضه وضربه, ثم تضمنت داخلها أرجلاً أخرى. ثم يقول بعد أن استعرض طويلاً كيف تقطع الأبيات الهندية: «وإنما طولت في الحكاية وإن نزرت عائدتها ليشاهد اجتماع الخفاف فيعلم أنها متحركات لا سواكن, وليحاط بكيفية قوالبهم وتقطيع أبياتهم, وليُعْرَفُ أن الخليل بن أحمد كان موفقًا في الاقتضابات، وإن كان ممكنًا أن يكون سمع أن للهند موازين في الأشعار كما ظن به بعض الناس.» وهذا النص الأخير هو الذي قلت سابقًا إنّ عددًا من الباحثين انتزعوه من سياقه, وتسرعوا في نسبة القول بأخذ الخليل عن العروض الهندي إلى البيروني دون متابعة مسار النص, ودون أي ربط لدلالات المصطلحات التي أوردها البيروني التي هي من داخلها تفند ما نسب إليه. خاصة إنه يقول إنه ما ساق ذلك إلا ليوضح براعة الخليل, وكان موفقًا في الاقتضابات حسب عبارته. - د.فاطمة بنت عبدالله الوهيبي