التغيير قد يحدث في جيل واحد. هذا ما اكتشفه علم الأحياء الحديثة. سمك السلمون على سبيل المثال يمكن أن يتطور جينيا في غضون جيل واحد، وفقا لبحث جديد وتسمى هذه الظاهرة الآن «بالتطور الوراثي السريع». وهذه ظاهرة أذهلت العلماء بعد أن كان الاعتقاد السائد أن التطور الجيني يأخذ آلاف السنين. قبل عدة أعوام كنا في مجالسنا الاجتماعية نتناظر حول كلمتين: «التطور» كمرادف للتنمية التدريجية والمستمرة؛ و»الثورة» كمرادف للتغييرات الجذرية الراديكالية المفاجأة والتي تحمل معها نوعاً من الكارثية. اليوم نحن نتخذ منحى وفلسفة تطويرية أخرى أسميناها ب «التحول» الذي يذكرني كثيرا بالتطور الوراثي السريع لسمك السلمون! «التحول» هو عملية التطور الوراثي السريع الذي التزمت به الجهات العاملة عليه والذي التزمنا به كمواطنين وعاملين في قطاعات التنمية الاجتماعية والتعليم على وجه الخصوص. بدأ هذا التحول بطرح رؤية المملكة العربية السعودية 2030؛ رؤية وطن وهي خطوة أساسية لاستشراف المستقبل وتوحيد الجهود وآليات العمل والقيم التي نسعى لتحقيقها على المستوى الشخصي والاجتماعي والمؤسسي والوطني. كما أن التاريخ يعلمنا أنه عندما يجتمع الوطن حكومة وشعبا على رؤية ووجهة واحدة فإن احتمالية النجاح تكون أكبر. علمنا التاريخ عن «الصفقة الجديدة» في الولاياتالمتحدة عام 1930 والتي شملت سلسلة من البرامج الاقتصادية رداً على الكساد الاقتصادي العظيم الذي ساد الولاياتالمتحدة آن ذاك. حققت الصفقة الجديدة نجاحات يذكرها المؤرخون والاقتصاديون مثل زيادة الثقة في الاقتصاد الأمريكي بعد انهيار البورصة في وول ستريت؛ زيادة في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 60% من عام 1933-1939؛ كما زادت استثمارات القطاع الخاص في الصناعة 5 أضعاف خلال ست سنوات فقط. التغيير فعلا؛ قد يحدث في جيل واحد أو أقل. بالنسبة لقطاع التعليم؛ التزمت الرؤية بأننا كوطن ومواطنين «سنواصل الاستثمار في التعليم والتدريب وتزويد أبنائنا بالمعارف والمهارات اللازمة لوظائف المستقبل. وسيكون هدفنا أن يحصل كل طفل سعودي - أينما كان - على فرص التعليم الجيد وفق خيارات متنوعة، وسيكون تركيزنا أكبر على مراحل التعليم المبكّر، وعلى تأهيل المدرسين والقيادات التربوية وتدريبهم وتطوير المناهج الدراسية». وبالرغم من أن قطاع التعليم لم يأخذ حيزاً كبيراً من الرؤية إلا أنه بدا واضح الملامح في برنامج التحول الوطني حيث حظى القطاع برابع أكبر ميزانية بعد الإسكان والهيئة الملكية للجبيل وينبع ووزارة الزراعة. كما أنه فصل في 8 أهداف و36 مبادرة. و بالرغم من أنه يسرني كمواطنة أن أرى هذا الاهتمام بالتعليم تمنيت وجود مبادرة حول تطوير تعليم البنين ومدارس البنين على وجه الخصوص. فقد شمل التحول الوطني على مبادرات تعالج تحديات لفئات كانت مهمشة في التعليم مثل مبادرات التعليم الخاص والتعليم المبكر لكننا لم نر مبادرة موجهة خصيصاً لتحسين تعليم البنين بالرغم من وجود دلائل علمية واجتماعية تشير إلى تحديات جادة في قطاع تعليم البنين. أحد الحلول السريعة والفعالة والتحولية التي نوقشت في جلسات التحول الوطني كانت قضية تأنيث التعليم الابتدائي في مدراس البنين حتى الصف السادس؛ لكنها قضية اعتبرت حساسة من الناحية الاجتماعية والثقافية ولم يتم الأخذ بها كمبادرة تحولية لتطوير التعليم بالرغم من وجود الدلائل العلمية على أهميتها. ربما تندرج هذه القضية تحت المبادرة التي تعنى بالتعليم الابتدائي لكنها قضية بحاجة إلى مبادرة مصممة لمعالجة هذا الضعف. لا جدال على أن أبناءنا بحاجة لتعليم أفضل. المملكة العربية السعودية من الدول القليلة التي تجد فيها ما يسمى ب «الفجوة المقلوبة بين الجنسين». الطالبات يتفوقن على الطلاب؛ المعلمات يتفوقن على المعلمين ومدارس البنات تتفوق على مدارس الأولاد. إذا أردنا أن نحقق نقلة نوعية وسريعة وتحولية في التعليم - ثورة جينية- لا بد أن نركز على تعليم الأولاد الذي يعاني من ترهل في الجودة وزيادة في حالات التعدي على الطفولة والاعتداء الجنسي في المدارس التي يتغاضى عنها المجتمع التعليمي أحيانا. الاختبارات الوطنية التي أجرتها هيئة تقويم التعليم العام مؤخرا ونشرت نتائجها بكل شفافية أكدت أن أداء الطالبات في الصف الثالث والسادس أفضل من أداء الطلاب في مادتي العلوم والرياضيات بشكل ملحوظ. فمثلا نجد أن 32% من طالبات الصف السادس أداءهم كان أقل من الحد الأدنى بينما تجد 51% من الطلاب الصف السادس أداءهم اقل من الحد الأدنى في العلوم. أما في اختبار المقارنة الدولي «البيرلزا» لعام 2011 تجد الطالبات يتفوقن بأحد أكبر الفجوات بين الجنسين في نتائج القراءة, حيث أن المتوسط العالمي 16نقطة بينما تجد الفجوة بين الجنسين في المملكة 54 نقطة لصالح البنات. كما تشير دراسات إحصائية أجرتها هيئة تقويم التعليم العام أن المزيد من النساء يخترن مهنة التعليم مقارنة بالرجال وأن المعلمات يتفوقن على المعلمين في متوسط عدد ساعات التطوير المهني سنويا. وهذا لا يعني خلو مدارس البنين من المعلمين المتميزين المحفزين لكنه مؤشر للفرق بين جودة التعليم والمعلمين بين مدارس الأولاد والبنات. ومن خلال عملنا الدوري مع ملاك ومشغلي المدارس وجدنا أدلة قولية من تجاربهم الخاصة حول النتائج الإيجابية في تحسين تعلم الطلاب بعد تأنيث السنوات المبكرة من التعليم حتى الصف الثالث. كما وجد البعض انخفاض في حوادث التحرش الجنسي للأطفال. ما يهمنا كمواطنين ومربين وعاملين في قطاع التعليم هو أن نوفر تعليما متميزا «لكل طفل سعودي» كما ورد في الرؤية طلابا وطالبات. ومن أجل التحول السريع والجذري والموجه, فإنّ طلابنا بحاجة ماسة لمبادرة تحسن من تعليمهم من خلال تأنيث السنوات الابتدائية والتي قد تحل مشكلة البطالة عند النساء أيضا؛ تطوير مهني موجه للمعلمين في مدارس الأولاد؛ رخص مهنية للمعلمين تضمن لنا كفايات المعلم وأخلاقه لحماية الطفولة وتقييم مبني على معايير واضحة تعطينا مؤشرات حول التطور في قضية تعليم البنين. هذه قضيتنا ونسعى لأن تكون من أولويات التعليم في السنوات التحولية القادمة لنحقق رؤية الوطن الطموح بحول الله.