«زر غباً، تزدد حباً» قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة رضي الله عنه، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: تزاوروا ولا تجاوروا، وقال أكثم: تباعدوا في الديار وتقاربوا في المحبة، ومن أقوال العرب أيضاً: «فرق بين معدّ تحاب» وكلها أقوال تحث على التّحاب والتّواد بين الأقارب مع التشديد على التّباعد والنأي وعدم الإطالة في المكوث. وهذا جار واقعياً، فكلما كثر حديثك كثر خطؤك، وكلما زاد اقترابك ظهرت العيوب مما يجعلك تزهد في المحاسن زياراتك حين تطول تبعث الملل لمضيفك مهما كنت عزيزاً. وحديثك في كل التفاصيل سيجعلك حتماً تختلف مع الآخر، لأن الاتفاق الجمعي يكون عادة على الخطوط العريضة أما التفصيلات الجانبية فنحن نختلف فيها حتى لو جئنا من بطن واحدة، إنها حكمة الله، لو تدبرناها لأفلحنا. حين تنزل ما سبق من قواعد ذهبية للمسافات التي يلزم أن يكون عليها الفرد في علاقاته مع الآخرين على أكثر محدثات هذا الزمان شهرة وهو شيء يُدعى (قروبات الواتساب) تجد الأقارب يجتمعون فيه، تسمع نغمة حديثهم صباح مساء فلا تجد متسعاً لتأمل أو تدبر أو خصوصية، ويقتربون أكثر بكثير مما لو كانوا في بيوت متجاورة ويتطور الأمر مع الاقتراب الدائم إلى اختلاف وربما إلى كيد ونميمة وغيبة ثم قطيعة، فتطغى السيئات على الحسنات.. ولذا فتركها هو الأسلم حفاظاً على صلة الرحم وبقاء الود وردماً لهوة التنافس والاستهلاك بين الأسر. ومن أسوأ أنواع القروبات هي قروبات العمل أو المهنة، فتجد الاختلاف يطغى على الاتفاق ويضيق الأغلبية بالاختلاف والنقاشات العلمية حتى على مستوى الأكاديميين وتتحول إلى تكرار ملصقات أو تحشيد لعنصرية مذهبية أو مناطقية أو قبائلية فتتحول هذه القروبات إلى مصيدة، ويتم اجتزاء الحوارات من سياقها.. ونشرها غدراً وغيلة، وقد تستثمر لتمرير رسائل مبطنة، وقد يُؤخذ فيها البريء ويسلم من الجريرة المذنب. وغيّب ذلك تقاليد المهنة وهيبتها وأحالها إلى شيء يشبه المقاهي.. وشكت لي معلمات من الضغوط التي يواجهنها من جراء إلزامهن بجروبات مع أمهات الطالبات، فقد بقين تحت طائلة العمل طوال يومهن للرد على استفسار كل أم طالبة على حدة!.. وهذا زيادة ضغوط على المعلمين والمعلمات وتحميلهم أعباء إضافية فقد تحولوا إلى (مفككين) هوشات الواتساب بين أولياء الأمور!.. كما غيّب دور الإرشاد الاجتماعي المتخصص ببناء جسور العلاقات بين المدرسة والمجتمع!. لم أجد في أمريكا والصين وكوريا الجنوبية إلا الإيميل خير وسيلة للتواصل المهني.. ففيه توثيق وخصوصية ومهنية.