تمر دوماً علينا قضية الرأي الآخر وقبول الآخر بين حركات مد وجزر، ولا أعلم هل هي قضية محلية أم إنها قضية تحاصر جميع المجتمعات بمختلف أديانها وجنسياتها ومذاهبها.. وكان الاختلاف يمتد إلى خلاف في حديث المجالس بشأن النقاش حول وجهة نظر معينة، وقد تتطور إلى عراك وإلى قطيعة دائمة، وكنت كغيري أتصور أن الأمر سيختلف تماماً مع التقنيات الحديثة، إلا أنني وجدته يتفاقم ويترسخ في قروبات «واتسآب»، وقد يجد كل واحد منكم نفسه فجأة ضمن قائمة قروبات ما أنزل الله بها من سلطان، وقد لا تعرف من هم الأعضاء، خاصة أن تلك القروبات تتنوع ما بين عائلية وزمالة عمل وزمالة مدرسة وإلى غيرها.. ولكن تكتشف أحياناً أن من أنشأ القروب أو أحد أعضائه يسعى إلى أن يكون القائد أو المسؤول أو صاحب الكلمة النهائية والرأي الذي لا جدال فيه ولا نقاش، علاوة على أحادية الرأي، خاصة إذا كان هناك من ينتمون إلى بعض التيارات المتشددة التي تعودت أن تتكلم ولا تسمع، وتطور بها الحال إلى أن تكتب ولا تقرأ، وأن ما تقوله هو الفيصل النهائي الذي لا مجال للجدل فيما يقول، علاوة على بعض أعضاء القروب الذي تجده فجأة يحور ويغير اتجاه الموضوع إلى مسار آخر رغبة في السيطرة على محور النقاش.. ولكن أنا دوماً أتأمل في جميع القروبات التي أقحمت فيها، التي أجد أنها تفصل لنا شخصية الشخص الخفية، الذي قد يتظاهر أمام الجميع بأنه متسامح وأنه يسعى إلى الخير بينما تكشف أسطره حقيقته الداخلية في السيطرة والتسلط وعدم الرغبة في الاستماع للآخر.. عموماً هي قضية ثقافية تعبر عن ثقافة المجتمع الذي ينظر إلى الصوت الآخر على أنه نشاذ، وأن ما يوضحه هو هزيمة فتجعله يعيش في حالة تحدٍّ على إثبات ذاته مرة أخرى، ولذلك أتصور أن مسألة الآراء المختلفة يجب أن يتم تعديل قراءتها بشكل صحيح، وأتصور أن البيت هو الأساس الذي يجب أن يربي الأبناء على احترام الآراء الأخرى دون غضب، ثم بعد ذلك تأتي المدرسة التي أتصور أنها عجزت وفشلت في تأسيس مفهوم قبول الرأي الآخر، لأنني أتصور أن فهم هذا الأمر أعمق من إمكاناتهم.