قد ينطوي مفهوم التصنيفات الفكرية على تسميات كثيرة لدى الناس اتخذت أبعادها ومنطلقاتها من التقليدي أو الإيديولوجي وعلى هذا فالفهم بجذورها ومعناها يضيء الأفكار حول اتجاهات هذه التصنيفات وأبعادها. وبرأيي أن ظاهرة التصنيف الفكري نتاج طبيعي لتصنيفات أخرى تناسلت قبله وبدت تتشكل في محاولات فردية شغلت بمحاولة إيجاد تركيبة خاصة لوضع بوصلة للشخصية حسب الهوى والميل أحياناً وأحياناً أخرى حسب التصنيف الذاتي لأفكار أولئك الأشخاص حسب اهتماماتهم وطروحاتهم بمعنى قولبة الأشخاص وتنميطهم ووضعهم ضمن سياقات معينة محدودة في إطار الأحكام الشخصية. وهذه علامة جهل وقلة معرفة وسوء ظن لأنها تقولب الأشخاص والمجتمعات والمدن والأماكن والرأي العام والخاص كذلك؛ في قالب من العدائية والتطرف وتكرس الشعور بعدم القبول والافتقاد إلى التقدير. ازعم أن الإشكالية وراء التصنيف الفكري في العقلية بسيطة المعرفة محدودة الوعي تكمن في التنشئة الاجتماعية الفردية من وجهة نظري فالتمييز بين أفراد الأسرة الواحدة (الأخ / الأخت، الأب ،الأم ، المتفوق /الضعيف دراسياً) (الخادمة/السائق...) كل هذه المنظومة من العلاقات المتواجدة المتكونة في البيئة العائلية مشروع اختبار حقيقي لتشكل أنماط من التصيفات فنحن في مجتمع تربي بعض أفراده وأورثوا عائلاتهم الصغيرة على تصنيف فكري فطري لا يعيه المصلحون أنفسهم وهم يمارسون التربية على ذلك النحو، فحين نحدد لكل منهم أجندة تربوية بأساليب السخرية والتنابز بالألقاب بين الأبناء والزوج والزوجة والأخ والأخت أنا أكيدة أنهم لا يدركون خطورة ما يقومون به من حيث خلق حالة من العدوانية والاستهجان والنبذ والشعور بعدم الانتماء. التصنيف الفكري ظاهرة لا تتواجد إلا في المجتمعات المأهولة بالتعصب والتطرف فلا يمكن أن تكون هناك تصنيفات في مجتمعات ديموقراطية فالديموقراطية تخلق مناخاً من الحقوقية الإنسانية وتجرد من الذاتية وتوجه نحو المعرفي العام لا التقليدي الخاص . أزعم أن للتطرف علاقة وثيقة جداً بالتصنيف على أبسط المستويات بدءاً من تصنيف النسب والقبيلة والمذهب؛ بمعنى: محاولة إقحام الأيدلوجي مكان الإنساني هذه صورة نموذجية للطائفية البشرية تعمل على خلق الفوضى والتنافر بين الناس وقد ينسب إلى وسائل الاتصال أنها من الأسباب الرئيسية التي توقد جذوة التعصب بكل أنواعه وأشكاله وتوجهاته وأن العالم الافتراضي وراء اتساع هوة التصنيفات الفكرية وفي رأيي أن تلك الوسائل مجرد قوالب تأتي بحسب من يديرها في مجتمعات أخرى، بل إنني أرى وسائل الاتصال الاجتماعي تتعامل مع كل قضية أو ظاهرة بالإيجابية المطلوبة لنشر الوعي وتغمر الأفراد بروح ومناخ التغيير الإيجابي. إذن فالمعضلة تكمن في المستخدم وليس في وسيلة الاستخدام، وكعادتنا نحمل وسائل الاتصال الشبكي ووسائل الإعلام بشكل عام جرمنا وأخطاءنا التربوية والتعليمية والتثقيفية متناسين ما تزج به المناهج الدراسية في مراحل التعليم المبكرة وحتى الجامعية من تصنيفات وأفكار وما يفيض به بعضها من نفس تحريضي في مضامينها يشعل جذوة التصنيف ايدلوجيا واجتماعيا . ولذلك أيقنت بأن التصنيفات الفكرية تضعف الشعور بالانتماء ومن ينتقص إلى الانتماء الذاتي والاجتماعي سيفتقد الانتماء الوطني. لا يمكن القضاء على تصنيفات من هذا التوسع إلا بتكثيف الحملات في برامج وورش عمل وتمرينات وبرامج علاجية عن طريق المصحات ومراكز الاستشارة النفسية والاجتماعية بحيث إن المعالجة تتطلب الخضوع إلى برامج توعوية مكثفة كما ينبغي تغيير بعض الأنظمة واللوائح الخاصة بنظام الأحوال ووثائق المواطنين. من الضروري نشر التنوع اجتماعياً وإنسانياً وتقبل المذاهب الفكرية في الاتجاه نفسه والتناغم، حيث نؤكد بذلك اتنماءنا الوطني قبل المذهبي وهو الأولى بأخذه بعين الاعتبار.