منذ بداية 2016 تزايدت الأدلة المؤكدة التي تشير بوضوح إلى تحقيق تنظيم «داعش» الإرهابي تقدما كبيرا في نشر أفكاره في الدول الأعضاء برابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) رغم الرفض الواسع لهذه الأفكار من جانب المواطنين المسلمين في هذه الدول. ورغم هذا الرفض الشعبي لأفكار التنظيم الإرهابي، فإن تزايد ثقة بعض التنظيمات الإرهابية المحلية المرتبطة بتنظيم «داعش» في جنوب شرق آسيا مثل جماعة أبو سياف التي ذبحت الرهينة الكندي جون ريدسدل، يجب أن تجعل خبراء الأمن وصناع السياسية في المنطقة في أقصى درجات اليقظة والحذر. إذا لم يكن نشاط «داعش» مؤخرا في المنطقة سببا لكي تشعر حكومات دول آسيان بالقلق، فإن ما يتحدث عنه بعض المحللين عن احتمال اندماج تنظيم داعش مع القاعدة في منطقة جنوب شرق آسيا يجب أن يدفع قادة دول آسيا لاتخاذ خطوات نحو القضاء على الخطر الذي تمثله تلك الجماعات المتطرفة. في مارس 2016 نشرت مجلة «فورين أفيرز» مقالا للباحث بروس هوفمان الاستاذ ورئيس مركز الدراسات الأمنية في جامعة جورج الأمريكية تاون قال فيه إن «التشابهات الفكرية بين داعش والقاعدة أكثر أهمية من الاختلافات بينهما حيث ان كلا التنظيمين يتمسك بالمبادئ الأساسية التي أطلقها لأول مرة العضو المؤسس في تنظيم القاعدة عبد الله عزام منذ 3 عقود ، أي أن هناك شراكة عالمية بين داعش والقاعدة يمكن أن توحد المجموعات الإرهابية المختلفة في منطقة آسيان تحت مظلة واحدة مشتركة ويتيح لها موارد ضخمة بما يزيد من قدرتها على شن هجمات إرهابية ضخمة في دول آسيان. أي فشل في إدراك حجم التهديد الذي يمثله هذا السيناريو وعدم صياغة سياسة فعالة لمواجهة هذا الخطر، يمكن أن يجعل من دول آسيان الضحية المقبلة للهجمات الإرهابية الضخمة كتلك التي تعرضت لها باريس وبروكسل. كما كتبت في يناير الماضي بعد هجمات جاكرتا الإرهابية الفاشلة، فإن توافق دول آسيان في صياغة استراتيجية فعالة وذات مصداقية لوقف تنامي نفوذ داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية في المنطقة أصبح ملحا أكثر من أي وقت مضى. ويبدو أنه منذ يناير الماضي لم يتحقق أي تقدم يذكر نحو إيجاد الوسيلة الفعالة لمواجهة خطر الإرهاب في جنوب شرق آسيا. وقد جاء التطور الأهم في السادس من مايو الحالي عندما اتفقت ماليزيا وإندونيسيا والفلبين على التنسيق والمشاركة في تسيير دوريات بحرية لمنع أي محاولة لخطف السفن من جانب المسلحين في المياه الإقليمية لهذه الدول. المشكلة أن قادة دول آسيان وناخبيهم يبدو منشغلون أكثر مما ينبغي بخلافاتهم السياسية الداخلية وفضائحهم عن مواجهة الخطر المتزايد لتنظيم داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية والمتطرفة. وهذا الوضع يعني أن الكثيرين منهم غير مستعدين لمواجهة الخطر المتحمل لهجوم إرهابي كبير في المستقبل المنظور. رغم أن هذه الموضوعات تستحق بلا أدنى شك اهتماما عاما، فإنه يتم تقديمها بطريقة تجعلها تتيح لقادة المنطقة فرصة الالتفاف حول قضية طريقة التعامل مع التهديد المحتمل للمتطرفين، والقضية الشائكة بالمتعلقة بطريقة وقف انتشار الفكر المتطرف بين الشباب المسلم في دول جنوب شرق آسيا. وحتى الآن نجحت ماليزيا في إحباط عدة مؤمرات لتنظيم داعش وألقت القبض على 40 شخصا للاشتباه في تورطهم في أنشطة إرهابية. لذلك لم تكن مفاجأة أن تدعو كوالالمبور الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو خلال زيارته لها في أبريل الماضي إلى تطبيق قوانين مماثلة للقوانين الماليزية في مكافحة الإرهاب. على قادة دول آسيان تكثيف تحركهم لتوحيد الجهود وتجاوز خلافاتهم السياسية فالمنطقة تحتاج ليس فقط الى مجرد كبح أنشطة الجماعات الإرهابية التي تمثل خطرا آنيا على سلامة شعوبها وإنما أيضا صياغة نظام فعال لوقف انتشار الأفكار الإرهابية التي يمكن أن تؤدي إلى تجنيد الكثير من شباب المنطقة في صفوف هذه التنظيمات. إذا لم تمض الأمور في هذا الاتجاه، فالاحتمال الأقوى هو أن تستيقظ المنطقة على كارثة إرهابية على غرار هجمات باريس وبروكسل، قبل أن تتحرك حكومات آسيان نحو بذل جهد جماعي لمنع تحويل جنوب شرق آسيا إلى معقل جديد للإرهاب. - جون كونارز