أخيرًا، وبعد جفاء ما يقارب ال33 عامًا، حقق الأهلي بطولته الحلم، بطولة غالية وغالية جدًّا، من المفترض أن نحتفي بها، ليس لأنها للأهلي فحسب، وإنما لكونها تتويج جهد وعمل وبذل جميع مكونات الكيان الأهلاوي، ولأنها تأتي في ظروف يستحق فيها النادي الراقي إنصافه وتثمين تفوقه فنيًّا وإداريًّا وشرفيًّا وكذلك جماهيريًّا، في الوقت الذي يتخبط فيه ويترنح ويغرق غيره من الكبار في بحر الديون والفوضى والصراعات.. الأهلي اليوم النموذج الوحيد بين الكبار الخمسة الذي يتمتع بالاستقرار والهدوء والإتقان الإداري والتعامل العقلاني. وهذا أمر ليس جديدًا ولا غريبًا على ناد يحتضنه حبًّا وإخلاصًا، ويشرف عليه فكرًا ومالاً، ويراعيه ويرعاه وفاء الأمير الأنيق النبيل الرمز خالد بن عبدالله، هذا الرمز الذي لا يبحث في يوم من الأيام عن مجد شخصي، ولا عن تسويق أفكاره وكلامه واسمه وصورته بقدر ما يهمه تألق وتفوق وبناء ونماء عشقه الأهلي. كان - وما زال - القلب الكبير الذي يحمل ويتحمل كل الهموم؛ ليعيدها لحبه نبض عطاء بسخاء.. بطولة الدوري لم تأتِ من فراغ، أو بضربة حظ. هي محصلة تكامل عوامل وعناصر النجاح. وإذا كانت إدارات الأندية الأخرى تعاني من آثار وسوء تدبير وتخطيط سابقاتها ففي الأهلي الوضع مختلف تمامًا، فما بناه الرئيس السابق الأمير فهد بن خالد جاء الرئيس الخلوق ووجه السعد الأستاذ مساعد الزويهري ليكمله بذات الفكر والهدف؛ الأمر الذي لم تجد فيه إدارة الزويهري ما يعيقها عن أداء مسؤولياتها وتنفيذ أفكارها وقراراتها بطريقة ساهمت في نجاحها وتحقيق حلم محبي الأهلي في فترة عمل وجيزة، لم تتجاوز السنة الواحدة.. مبروك للأهلاويين البطولة الأجمل، وتهنئة عطرة خاصة لكل من صبر وانتظر وتذوق طعم حصاد فكره وماله وانتمائه.. ضاع الهلال بين ملمع ومرقع! ما حدث للهلال من تدهور في الدوري ثم كأس الملك، وربما في بطولة آسيا، كان أمرًا متوقعًا ونتاجًا طبيعيًّا لحالة الفوضى الإدارية والمالية والتنظيمية والفنية التي خلفتها الإدارة السابقة، وتورطت بها الإدارة الحالية، بعد أن تخلى كثير من أعضاء الشرف عن وعودهم بالوقوف معها ومساعدتها على تجاوز تركة الديون الثقيلة. زد على ذلك انكشاف حقيقة الرعايات الوهمية والعقود الضخمة مع أشباه اللاعبين.. في الموسم الماضي، وتحديدًا في الثامن عشر من مايو 2015م، كتبت هنا ما نصه: «ما أثير صحفيًّا حول ديون الهلال المهولة البالغة أكثر من 120 مليونًا يتطلب تدخلاً سريعًا من الرئاسة العامة لرعاية، وخصوصًا في ظل غياب دور هيئة أعضاء الشرف والجمعية العمومية، وحتى تكون الإدارة القادمة على علم بحقيقة ومصدر وأسباب وكيفية سداد أو جدولة هذه الديون». ما توقعته حدث حين ذهبت إدارة الأمير نواف بن سعد ضحية تلك الديون، وضحية ثقتها الزائدة بوعود وبمقدرة أعضاء الشرف على تسديدها، وكذلك بتأثير مباشر من الأجواء الاحتفالية آنذاك، التي تزامنت مع إحراز الهلال بطولة كأس الملك. إعلان الأمير نواف استقالته من رئاسة الهلال قبل أن يكمل عامه الأول هو تجسيد لواقع الهلال المتأزم، وتأكيد أنه لم يتخذ هذا القرار إلا بعد أن وجد نفسه أمام طريق مسدود، لا يستطيع التعامل معه بطريقة تنقذ الهلال من مشاكله، خاصة إذا ما علمنا أن الجمهور الهلالي الحاشد والمؤثر لا يروقه التسويف وأسلوب الإلهاء واللعب على عواطفه، كما أن بطولتي النفس القصير لا تكفيان لإرضاء طموحاته. الأخطر من هذا كله أن العلاج لا يتمثل فقط في الاستغناء عن مدرب أو عدد من اللاعبين، وإنما يتطلب غربلة شاملة، ومعها قوة في القرار الإداري الانضباطي تجاه عدد غير قليل من اللاعبين الذين انشغلوا بمظاهرهم وحساباتهم في وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من اهتمامهم بتطوير مستوياتهم والانتماء لفريقهم واحترام مشاعر جماهيرهم.. الهلال لن يكون في المواسم القادمة منافسًا قويًّا على بطولة آسيا، ولن يحقق بطولة الدوري في ظل العزوف الشرفي وافتقاره للحزم الإداري، وطالما أن النرجسية والاستعلاء وثقافة التهاون واللامبالاة هي السائدة والمتنامية في فكر وعطاء لاعبيه..!