بين تحريم هذا وذاك يتضح أن الخوف على قيم المجتمع من الانحلال بسبب برنامج قد يغيّر تفكير المرأة، أو فيلم يدعو الشباب إلى الإلحاد أو تقنية حديثة لابد أن تستخدم بطريقة سيئة, هو السبب وراء التحريم! وكأن القيم هشّة ومن السهل كسرها أو التوغل فيها دون أن يكون للعقل والضمير وقفة تعيد ترتيب شعث الانزلاق وتحتفظ بصلابتها! درء المفسدة يحتاج إلى أدوات جديدة وعقول تبحث عن البديل.. غيّروا أفكاركم عن هذا المجتمع الذي تعتقدون أن من السهل تغيير أهله ومن ثم تحويل قيمه، وهذا لن يكون إلّا بمنح أفراد المجتمع المزيد من الثقة والمسؤولية ليواجهوا العالم بقناعات من صلب أفكارهم لا تحيد عن الطريق المستقيم الذي يقره الإسلام ويرغب فيه. وسائل الإعلام تربي وتشكّل توجهات الأفراد ووعيهم تجاه أنفسهم ومايدور حولهم, ومن لا يؤمن بهذا عليه مراجعة التدقيق فيما يحدث حوله، ومع أسرته وأصدقاء العمل والدراسة، وأهل الحي والمسجد في كافة نواحي الحياة، وسيجد أن وسائل الإعلام والتواصل كوّنت لكل هؤلاء توجهًا وطريقة للتفكير بغض النظر عن سلبياتها والإيجابية فيها.. لكن هذا مايحدث فعلا، وهذا مايجب أن نستغله ونعمل عليه من أجل أجيالًا تُحسن تكوين الرأي ووجهة النظر، ولا شك أن السينما إحدى هذه الوسائل وأنفعها فالصورة المتحركة لها أثرها في وجدان المتلقي فهي تعمل على نحت مكانة لها لا تبرح الذاكرة. لنفكر في السينما بعيدًا عن الجانب التجاري المادي البحت، فمقالتي هذه لا تُعنى إلّا بشأن السينما الثقافي.. فبها أي السينما نستطيع نقل حياتنا وقيمنا، وطموحنا الاجتماعية وحتى السياسية للعالم، من خلالها نستطيع عرض ثقافتنا بطريقة نحن من يكشف عنها الغطاء ويعرف متى يسدله دون ولوغ طرف آخر أو نظرة غير منصفة حاقدة في عرضها لثقافتنا وديننا ترغب في تشويهنا أمام العالم. نستطيع أيضا استغلال السينما في تغيير فكرة المسؤول عن الخدمة التي تقدمها وزارته أو مؤسسته، قد يقول قائل: المقالات ومواقع التواصل فيها من التوضيح والصرخات مايكفي... وله أقول: هذه النظرة بعيدة عن الواقع ومايدور في العالم، أمريكا فرضت نفسها بوسائل ناعمة وبقي هذا أسلوبها الموازي للحروب الشرسة التي تشنها، وداعش تزرع هيبتها من خلال ماتنتجه من أفلام. يستطيع المسؤول الذي فاتته قراءة الصحف ولم يطلعه مدير مكتبه على رأي الناس ورضاهم أو سخطهم أن يجد في السينما ترفيهًا ونقدًا لا يجرحه بل يُعينه على فهم حاجة المواطن وآماله. أما السواد الأعظم الذي يجب أن توجّه له السينما وتُصب فيها الرسائل الاجتماعية والإنسانية هم الشباب، وللسينما مناقب ممكن الاستفادة منها في تطوير إمكانياتهم الأدبية الإبداعية، وصنع فكر حر تقيده المبادئ والقيم التي من المفترض أن يكون قد تشرّبها في صغره من المدرسة والمنزل، بالإضافة إلى تعلّم الفن القصصي وكتابة السيناريو وفن الإخراج وتكوين رؤية نقدية تبحث وتقارن وتستنتج. ومن الممكن تفعيل دور الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون وتوثيق الشباب بمنابرها التي نادرا ماتعرفهم ويعرفونها من خلال الأفلام _ الوثائقية والتعليمية وحتى الترفيهية_ المعروضة والمنافسة، للمساهمة في التحيل وتكوين ورش العمل المحفزة للتعاون وصناعة الهدف. ومن هنا أشكر وزير الثقافة والإعلام الدكتور عادل الطريفي على تكليفه إدارة جمعية الثقافة والفنون بإقامة عدة مهرجانات للأفلام، ومازلنا نطمع في المزيد. - نادية السالمي