روي أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَضَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، فَقَالَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ لَمَّا أَدْبَرَ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-: إنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ، فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ: حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. قوله -صلى الله عليه وسلم-: إن الله يلوم على العجز فيه توبيخ لكل من يستسلم ويقعد عن العمل ولا يواجه المشكلات ولا يفعل بالأسباب. ورأى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أقواماً عاكفون في المسجد عالة على الناس، تركوا العمل والكسب وقعدوا في المسجد، علاهم بدرته وطردهم قائلاً: «إن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة»، ورأى سيدنا عمر أناسا يتكففون الناس في الحج، قال: من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون، قال: كذبتم، بل أنتم المتواكلون، المتوكل من ألقى حبة في الأرض، ثم توكل على الله. علمنا الفاروق -رضي الله عنه- في هاتين القصتين أن التوكل على الله في طلب الرزق يحتاج إلى عمل مع التوكل وليس القعود عن العمل, لذلك نجد أن كثيراً ممن لا يدركون معنى التوكل على الله في طلب الرزق تجدهم يجهلون أموراً كثيرة في هذا المعنى. وحينما قال إن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة فهو يؤكد ذلك؛ أي أنه لا يمكن أن تحصل على ما تريد دون أن تعمل للحصول عليه. القعود عن العمل والتكاسل أو حتى العمل دون متابعة وإدارة لا يمكن أن يثمر وينمو ولا يمكن أن تحصل على ما تطمح إليه من أرباح وزيادة في دخلك دون أن تقوم بعمل ولو يسير، ولا بد أن تتابعه بنفسك وكما يقول العوام «ما حك جلدك مثل ظفرك». ومن أجمل ما قرأت كلمات تنسب للحسن البصري -رحمه الله- يقول: علمت أن رزقي لا يأخذه غيري فاطمأن قلبي وعلمت أن عملي لا يقوم به غيري فشغلت به وحدي. الأشخاص العصاميون الذين أصبحوا من أغنياء العالم ويمتلكون ثروات هائلة وشركات ضخمة بدأوا من الصفر وعمل كثير منهم في بداياتهم بأعمال صغيرة وتعرّضوا في بداياتهم لكثير من المعاملة السيئة والانتقاص والمشاكل الاجتماعية والمادية وتعرّض الكثير منهم إلى النصب والاحتيال وواجهتهم خسائر مادية وتحديات صعبة ولكنهم ثابروا واجتهدوا ولم يقل عزمهم وإصرارهم حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه من رفعة وعلو وهذا هو الفرق بينهم وبين من يستسلم من أول عثرة. الاجتهاد في العمل والنزول إلى الميدان وتجربة العمل والاطمئنان على سير العمل أفضل بكثير من الاعتماد الكلي على الموظفين والاعتماد على تقارير يرفعها الموظفون، وأفضل بكثير من التنظير والافتراضات والتكهنات حول سير العمل. البعض ينفق جلّ وقته للتفكير والتخطيط والدراسات ويبني افتراضات وأرقاماً وفي النهاية لا يقوم بأي عمل ولا تجد له أي بصمة، الكل يستطيع التفكير والتنظير ولكن من يطبق ويعمل هو من يفوز. الوقت لا ينتظر أحداً وكذلك الفرص تمضي بسرعة من دون استئذان، ولن تجد أحداً يخدمك ويقوم بعملك من دون مقابل، وحتى لو قام به فلن يكون كما لو قمت به أنت.