للشتاء حنين وروائح خاصة تشدنا للذكريات، فتجتاحنا رغبة للبوح والحديث دون توقف في حين، وللصمت الطويل دون كلام في حين آخر، للحيرة، لليقين، للحزن تارة، وأحيانا للابتسام في تارة أخرى. فالجو الغائم والبرد وصوت هطول المطر على الأرصفة والطرقات وطرقه على النافذة ينادينا ويدعونا للخروج والاستمتاع به بالمشي تحته، الموقدة وصوت أجيجها واللون الناري فيها، معطف الصوف الأحمر الذي أتدثر به وما يشعرني به من دفء في جسدي، وفنجان القهوة الساخنة بدخانها ورائحتها الذكية يدفئ يدي، كلها أشياء تأخذنا من يدنا وترجعنا لأيام مضت لنبحث فيها عن الدفء لنخفف من ارتجاف القلب وتهدئة نبضاته الخجولة الحائرة. فنفتح أبواب اعتقدنا أننا أحكمنا إقفالها جيدا ورمينا المفاتيح وإذ بنا نفاجأ، أن المفاتيح ما زالت بحوزتنا، فنذهب بعيدا وبعيدا جدا إلى اللا حدود إلى الحب، حيث اللا حدود، فالحب لا حدود له لأننا نطير في سمائه بلا حواجز أو قيود توقف أحلامنا وأمانينا، وليس له منطق لأن العاطفة الجياشة تغلب العقل غالبا، ولا مرتبط بمكان أو زمان أو شخص معين، إنه يأتينا عندما تكون مناعتنا قليلة وحصانتنا ضعيفة فنقع فيه ونستسلم له بسهولة دون أدنى مقاومة منا، وكما نصاب بنزلات البرد في الشتاء، فإن الحب يصيبنا بنزلات الاشتياق والحنين، وسيظل الشتاء يأتينا حاملا معه حقائب الذكريات والحنين، فسيبقى حنيننا معنا لا ننسى.