لو أجري استفتاء حول الوزارة التي لم تشهد تطوراً واضحاً منذ إنشائها فليس هناك من شك أن وزارتي الإسكان والعمل ستتنافسان بقوة على هذه الخاصية، إلا أن وزارة العمل ستكون وحدها في حال كون الاستفتاء عن الوزارة التي ستكون في وضع أفضل لو لم تكن موجودة أصلاً. فلا أحد يستطيع أن يقول مثلا إن برنامج نطاقات فقط لم يحقق نفعاً، فهو في الواقع قد أضر وزاد من تشوهات سوق العمل بشكل هائل يجعل اصلاح سوق العمل الآن أصعب من أي وقت مضى. فما ترتب عليه من توسع كبير في السعودة الوهمية جعل شريحة واسعة من شباب وشابات المجتمع يجدون صعوبة في التخلي عن المبلغ الشهري، الذي يدفع لهم مقابل تسجيل أسمائهم في نظام التأمينات الاجتماعية، والالتحاق بدلاً عن ذلك بعمل حقيقي قد يكون أجره في البداية لا يزيد كثيرا عما يحصلون عليه لقاء تسجيلهم وهمياً. وبسبب مكافأة برنامج نطاقات للمنشآت على سعودتها الوهمية بمنحها مزيد من تأشيرات الاستقدام فقد زاد الاستقدام بشكل هائل منذ تطبيق نطاقات، وبالتالي زاد اعتماد القطاع الخاص على العمالة الأجنبية أكثر من أي وقت مضى. وتدني أجور المسجلين وهمياً، وفي ظل التقاعد المبكر الذي يكفله نظام التأمينات الاجتماعية، أصبحت السعودة الوهمية تشكل خطراً على التوازن المالي للنظام وتصحيح ذلك سيتطلب معالجة جوهرية سيدفع ثمنها كل خاضع له. ووزارة العمل بإعلانها سعودة محلات بيع وصيانة الجوالات خلال ستة أشهر رغم فشل أو تغاضيها عن الاحتيال على قرارات السعودة السابقة أشبه بمقاول لديه عدد كبير من المشاريع المتعثرة وبدلاً من أن يبحث عن أسباب هذا التعثر ويحاول إنهاء أكبر قدر منها قبل التفكير في التعاقد على مشاريع جديدة يقوم الآن بتوقيع عقد مشروع جديد. فقبل سعودة مبيعات وصيانة الجوالات وبالتالي إضافة مشروع جديد لمشاريعها المتعثرة فإنه عليها يجب أن تسأل الوزارة نفسها: لماذا تعثرت سعودة الليموزين وسعودة محلات الخضار ومحلات الذهب والمجوهرات وقصر الوظائف الإدارية على العمالة السعودية وفشل برنامج نطاقات؟ فدون ذلك فلن يكون هناك أدنى شك من أن هذا القرار سينضم للمشاريع المتعثرة السابقة، طالما بقيت وزارة العمل لا تهتم بحقيقة ما ينجز وتتفاخر بما يتحقق من نجاح وهمي كما هو حالها مع برنامج نطاقات. وعلى الأرجح فإن كل ما سيتحقق من سعودة محلات بيع وصيانة الجوالات أن يصبح تقديم هذه الخدمة جزءاً من محلات أوسع تعتمد على عمالة أجنبية، أو أن يكون في واجهة المحل شاب سعودي بينما في غرفة خلفية أو في مكان آخر عمالة أجنبية تقوم بعملية الصيانة الفعلية، أو أي شكل آخر من أشكال الاحتيال التي تغاضت عنها وزارة العمل في مشاريعها السابقة، ولا سبب يدعونا لأن نتوقع موقفا مختلفا من الوزارة في هذا المشروع أيضاً. إن وزارة العمل مطالبة أكثر من أي وقت مضى، وفي ظل الوضع الاقتصادي الحالي الذي لا يحتمل مزيداً من التسويف، بأن تواجه بصدق وحزم معضلة تعثر مشاريعها السابقة بما يضمن نجاحها وتحقيقها أهدافها قبل أن تنتقل إلى مشاريع جديدة، فالتجارب السابقة توحي بأنها ومن دون ذلك ستكون مجرد إضافة جديدة إلى مشاريع سعودة تعثرت جميعاً.