اللقاء الذي نظمته جريدة الجزيرة بين معالي وزير العمل وكتابها الأسبوع الماضي أظهر رحابة صدر الوزير لسماع نقد موضوعي لمبادرات الوزارة، إلا أنه أظهر أيضا أن الوزارة ليست بعد مستعدة لمواجهة حقائق تظهر نتائج غير إيجابية وخطيرة على مشروع توطين الوظائف وعلى نظام التأمينات الاجتماعية نتيجة تطبيق تلك المبادرات. فالبيانات التي عرضها معالي محافظ المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية في هذا اللقاء تعطي مؤشرات كمية واضحة على تفشي في السعودة الوهمية وزيادة حادة في الاستقدام نتيجة تطبيق برنامج نطاقات. فالسعوديون المسجلون في نظام التأمينات الاجتماعية بالحد الأدنى للأجر البالغ 1,500 ريال فقط والذي لم يكن يتجاوز عددهم في شهر جمادى الأولى من عام 1432ه 172 ألفا أو حوالي 24% في المائة من عدد المسجلين في النظام قفز بنسبة 140% ليصل الآن إلى 428 ألفا، أو حوالي 39% من إجمالي عدد المسجلين حاليا البالغ مليون و138 ألف سعودي. والنمو الكبير في عدد الطلاب المسجلين في النظام بارتفاعه من 26 ألف طالب إلى 97 ألف طالب، ووصول عدد الإناث المسجلات في النظام إلى 202 ألف أنثى بعد أن كان هذا العدد لا يتجاوز 77 ألف أنثى، مؤشرات إضافية تؤكد حدوث نمو هائل في السعودة الوهمية نتيجة تطبيق نطاقات، ودليل على نجاح القطاع الخاص بالالتفاف عليه ما يفسر صمته المطبق وقبوله به بينما يعلو صوته محتجا على الزيادة الأخيرة في رسوم التوظيف. أيضاً هناك مؤشرات كمية على نمو حاد في عدد المسجلين الأجانب في نظام التأمينات الاجتماعية، ما يؤكد أن نطاقات لم يتسبب قط في تفشي السعودة الوهمية وإنما أيضا في زيادة كبيرة في الاستقدام، فخلال الفترة نفسها ارتفع عدد الأجانب المسجلين في النظام بنسبة عالية بلغت 40%، حيث ارتفع عددهم من 4 ملايين و65 ألفا إلى 5 ملايين و680 ألفا. وبسؤال معالي وزير العمل عن عدد التأشيرات الصادرة للقطاع الخاص منذ تطبيق نطاقات مقارنة بالفترة المماثلة قبل تطبيقه اعتذر بأن هذا الرقم لا يحضره، إلا أن تدافع مسئولي الوزارة ممن حضروا اللقاء للتأكيد على أن حدوث نمو في الاستقدام لا يجب أن يفهم منه أن نطاقات كان السبب في ذلك يؤكد أن هناك نمواً كبيراً في الاستقدام لا ترغب الوزارة الإقرار به، كونه سيكون دليلاً قاطعاً على الضرر الهائل الذي لحق بمشروع توطين الوظائف نتيجة تطبيق برنامج لم يكن يملك أصلا أي فرصة للنجاح. الأمر الأخطر الذي خرجت به من هذا اللقاء هو أن نطاقات لم يتسبب فقط في تفشي السعودة الوهمية وزيادة حادة في الاستقدام بل أيضا أصبح يمثل تهديداً خطيراً لقدرة نظام التأمينات الاجتماعية على تحقيق التوازن المالي والوفاء بالتزاماته المستقبلية نحو مشتركيه. فلا يوجد نظام تقاعدي في العالم يستطيع أن يتوازن ماليا مع هذا النمو الرهيب في عدد المسجلين بالحد الأدنى من الأجر الذي يقل حتى عن الحد الأدنى للمعاش التقاعدي البالغ حاليا 1,984 ريالا. فطالب يبلغ من العمر 15 عاماً وظف وهمياً وسجل بالحد الأدنى للأجر ستمضي عشر سنوات قبل تخرجه من الجامعة والتحاقه بعمل وأجر حقيقيين، وبعدها ب 15 عاما فقط سيكون مستحق للتقاعد المبكر لإكماله 25 عاماً من الاشتراك بنظام التأمينات الاجتماعية وهو لم يتجاوز الأربعين من عمره بعد. بل حتى يستطيع في آخر سنتين قبل تقاعده أن يرفع أجره الخاضع للاشتراك إلى 45 ألف ريال، ما يعني أن نظام التأمينات سيصرف له أو لمن يعولهم معاشا تقاعديا يزيد على 28 ألف ريال شهريا لعدة عقود، رغم أن إجمالي ما دُفع عنه من اشتراكات لا تعادل حتى معاشه التقاعدي لعدة سنوات فقط، وهذا أمر لا يمكن لأي نظام تقاعدي تحمله مطلقا. وفي ظل كل ذلك فإن على المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية أن ترمي في سلة المهملات كافة دراساتها الاكتوارية السابقة فهي متقادمة وغير واقعية في ظل المعطيات التي فرضها عليها برنامج نطاقات، وارتباطها الإداري بوزارة العمل يجب ألا يمنعها من أن تكون أكثر وضوحاً وشفافية مع مشتركي النظام حول قدرته على الوفاء بالتزاماته نحوهم مستقبلا والحاجة الماسة لإصلاح الضرر الذي لحق بالتوازن المالي للنظام بسبب نطاقات، ما قد يستدعي إجراءات استثنائية بما في ذلك إلغاء التقاعد المبكر، رفع سن التقاعد، ورفع نسبة الاشتراك، والمأمول أن لا تبقى وزارة العمل متفرجة على كل هذه الأضرار التي نتجت عن نطاقات لمجرد أنها لا ترغب في الاعتراف بأنها أخطأت التقدير. [email protected] أكاديمي وكاتب اقتصادي *** on twitter @alsultanam