هناك نظرية اقتصادية تُعرف بنظرية (المنفعة الهامشية المتضائلة) وهي تدل على أن استهلاك الفرد لأي وحدة أو بضاعة ازدادت درجة إرضائه حتى يبلغ درجة الإشباع الكلي، فيتوقف عن استهلاكه، وهذه النظرية يمكن تطبيقها على كل السلع وفي كل المجالات الاقتصادية والتجارية ما عدا السلع الثقافية، فقد كذبت الثقافة هذه النظرية بحيث أن الفرد كلما استهلك مزيداً من الثقافة كلما زادت رغبته للمزيد من الاستهلاك. لقد صرحت بذلك خبيرة الاقتصاد فرنسواز بن حمو لصحيفة لوموند. إن حالة الاستثمار الثقافي في العالم العربي تبدو راكدة جداً ولا يبدو أنها حتى على أهبة الاستعداد للنهوض يوماً ما، هذا على الرغم مما يزدهر به العالم العربي من الآثار الثقافية والحضارات المتعددة فضلاً عن الوفرة الواضحة في مجال المثقفين والمثقفات من كُتّاب وقراء ومبدعين! إن مشكلة الاستثمار الثقافي في العالم العربي ليست في ندرة المهتمين بالثقافة، بل إنها تتمثّل في ذلك الصراع الثلاثي بين المثقف والتقليديين والإستراتيجية الربحية لدى التجار، فالمثقف الذي يرغب في نشر مختلف الثقافة والعلوم والفنون والمعارف وإطلاع الناس من مختلف العالم على ما تزدهر به بلاده من حضارات وثقافات يواجه في الجهة المقابلة مخاوف الناس التقليديين من اتساع رقعة التنازلات التي عليهم تقديمها في سبيل المزيد من الحرية الإبداعية للمثقفين وبالأخص فيما يتعلق في مجال الكتابة والمجال الفني وخاصة في الدراما. وليس ذلك فحسب هو أسوأ ما يمكن أن يواجه مثقف ما يرغب في استثمار الثقافة، بل إنه يواجه جشع بعض الاقتصاديين الذين يتساوى كل شيء لديهم إزاء حسبة رياضية بالورقة والقلم أو الآلة الحاسبة. ولا يمكن أن يرجح كفة الثقافة في ميزان هؤلاء إلا زيادة في كيل الربح تميل بكفة الميزان نحو الاستثمار الثقافي المفقود! ولعل أكبر دليل على ذلك هو قيام بعض دور النشر مثلاً بنشر عدد من الأعمال الفارغة فكرياً وثقافياً ولغوياً وتقديم أصحابها للسوق الأدبي على أنهم الأدباء المبدعين الجدد، مما سبب لدى المهتمين حالة من الغثيان ربما جعلتهم وهم عشاق الثقافة يحجمون عن ذلك السوق! ولعل المؤسسات الثقافية بقليل من الذكاء تستطيع أن تنعش سوق المستثمرين في الثقافة مما قد يؤدي لتمييز الدولة المنتعشة ثقافياً عن غيرها بشكل يستقطب السياح جذباً، ولعله يكون سبباً للنهوض بالاقتصاد وربما كان هو أنجع الحلول، لأن ذلك النوع من الاستثمار هو استثمار في الإنسان وهو بطبيعة الحال استثمار بعيد المدى، وهو من أبقى وأطول المشاريع! يقول الكاتب محمد بن علي المحمود في مقاله «الفرص التاريخية للاستثمار الثقافي): «نؤكد على ضرورة الالتفات إلى المشاريع الأكثر بقاء، والأقدر على أن تكون هي بذاتها مصدر ثروة، حالما تتضاءل مداخيل الثروات الطبيعية، ولن يكون ذلك إلا في المشاريع التي تستثمر في الإنسان على المدى الطويل، والاستثمار في الإنسان لا يكون إلا من خلال الثقافة بمفهومها الواسع الذي يشمل التربية والتعليم، مثلما يشمل المثاقفة والإعلام». أتفهم أن الاستثمار في المجال الثقافي ما زال في الدول العربية يعتبر مثاراً للشك لدى التجار، فالفجوة بين نظريات الربح والتبعات الاجتماعية الثقافية لا يمكن ردمها إلا بخطة واضحة تدعم المؤسسات الثقافية والتراث الثقافي والمثقفين، والاتجاه نحو فتح أطر التعاون الثقافي الدولي مع عدد من الدول في سبيل النهوض الثقافي الاقتصادي وتحقيقاً لكافة مفاهيم التنمية المستدامة. ومن خلال ما نلاحظه من تنمية علمية في الدول المتقدمة، فإن من الواضح أنه سيكون للثقافة شأن في نظام الهيمنة الاقتصادية العالمية. فهل نلحق بهم؟! - عادل بن مبارك الدوسري البريد الإلكتروني: [email protected]