أتابع ما تنشره صحيفة الجزيرة في أخبارها المحلية حول تجاوزات يحدثها المعلم بالضرب يعتقد الكثيرون أن مهمة المعلم تقتصر على تزويد التلاميذ بالمعارف والعلوم وهذا اعتقاد خاطئ. فالمعلم مربٍ يقع على عاتقه تربية الأبناء وبث القيم والمبادئ الأخلاقية في نفوسهم وتعديل سلوكهم الغير سوي. وكذلك تكوين اتجاهات سليمة وبنّاءة لديهم، وهذا لا يمكن تحقيقه إلاّ إذا كانت العلاقات بين المعلم وتلاميذه إيجابية مترعة بالحب والتفاهم. وهناك فلسفات تربوية ونظريات علمية وعالمية تؤكد على أهمية هذه العلاقة فالله منح الإنسان طاقات متنوعة ولم يجعل الاستجابة واحدة عند جميع الأفراد، فاستجابة الطلاب للعلم متنوعة ومختلفة فيظل كل طالب في انتقاء واختيار لما يناسب قدراته وإمكانياته. والمعلم الناجح هو من يكون قادرا على إيجاد علاقات إنسانية سوية، وجواً اجتماعياً وانفعالياً فاعلاً في حجرة الدراسة تحبب طلابه في الدرس. بالإضافة إلى استخدام أساليب وطرائق تعليمية واستراتجيات فاعلة ووسائل تعليمية مشوقة تجذب اهتمام الطالب وتجعله متفاعلاً نشطاً في كل مراحل الدرس بعيدا عن أي إثارة للشغب أو التقصير في أداء الواجبات. كما أن الإدارة الصفية الناجحة: من إشراك للطالب في الحصة وحسن توزيع الأسئلة والأنشطة المصاحبة وعدم إهمال أي طالب تجعله محبوباً لدى تلاميذه. وما شاهدناه من صور مؤلمة عن استخدام أساليب الضرب في التعليم فهي - حالات فردية - لأساليب تربوية غير ناجحة وللأسف وهي صدرت من معلمين لا يتبعون لإدارات وزارة التربية والتعليم فأحدهم كان في إحدى المدارس البرماوية والأخر في أحدى جمعيات تحفيظ القرآن.. لأن وزارة التربية والتعليم تشترط على من سيقوم بالتدريس الحصول على مؤهل تربوي بالإضافة الى المقابلات الشخصية.. ولدينا والحمد لله معلمون ومعلمات من ذوي الخبرة والمهارة والكفاءة وتخرج لدينا مئات الآلاف من الطلاب والطالبات بل ربما الملايين ممن نفخر بهم وقدموا للوطن عطاءات وحضارة نفخر بها. ومن وجهة نظري فإن المعلم أو المعلمة يلجأ للضرب حين يفشل في حسن الإدارة الصفية ويفشل في جذب اهتمام الطلاب وعدم توفر وسائل وطرائق لجذب الطلاب لدرسه بل قد يكون المعلم لديه عقد نفسية أصلاَ مثل الحرمان العاطفي.. وهنا يكون الضرب مجرد تنفيس عن هذه العقد وهو أسلوب عقيم في تعديل السلوك. وتستند طريقة تعديل السلوك على مبادئ المدرسة السلوكية ؛ وهناك مسلمتان رئيستان في تعديل السلوك هما: أن التعلم يمكن تفسيره في جميع الظروف على أساس مجموعة قليلة من العمليات هي: التعزيز الإيجابي، والانطفاء، والعقاب: فالتعزيز الإيجابي يتطلب أن يثاب أو يكافأ الطالب على كل أداء ناجح مما يزيد من احتمال تكراره واستمراره سواء كان ذلك سلوكا سويا أو غير سوي، من خلال معززات مادية أو معنوية أو معززات النشاط. أما التعزيز السلبي فهو أيضاً لنشاط غير مسبوق من الطالب. ويكون الانطفاء: للسلوك غير السوي وهو استبعاد المكافأة أو الثواب مما يترتب عليه ضعف في السلوك ونقصان تكراره حتى ينتهي به الأمر إلى الاختفاء تماماً. ويعتبر العقاب أسلوبا من أساليب تعديل السلوك يقوم على استخدام مثير غير سار كوسيلة لحذف سلوك غير مرغوب فيه. وبالرغم من أن الإسلام يدعو للتربية بالرفق واللين إلا أنه أجاز العقاب في حالات خاصة جداً، فقد عليه الصلاة والسلام: «مروا أبناءكم للصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر» وهذه الحالات هي الحالات عند خرق للقيم الأخلاقية أو السلوكية بما يتنافى مع أخلاق الإسلام وكذلك التمرد على العبادات التي شرعها الخالق. وقد أصدرت وزارة التربية والتعليم لائحة الانضباط السلوكي- وتم تعديلها - مؤخراً - وهي تحدد العقوبات لكل من يتمرد على القيم والأخلاق والعبادات من الطلاب أو الطالبات. وبالرغم من مزايا العقاب من أنه يقلل من حدوث ذلك السلوك لفترة طويلة من الوقت. وهو يساعد التلاميذ على التمييز بسرعة بين الأنماط السلوكية المقبولة والأنماط غير المقبولة و يقلل من احتمال تقليد أعضاء الفصل للأنماط السلوكية المعاقبة. الا أن له عيوباً وآثارا سلبية على الطالب - وخاصة العقاب البدني : فقد يؤدي إلى أن انسحاب التلميذ وانطواءه على نفسه وأحيانا إلى العدوانية وسخرية بعض التلاميذ من المعاقب، كما يؤدي إلى نقصان الثقة بالنفس ونقصان مشاعر الأحاسيس بالجدارة، وكره للمدرس والمادة وكذلك المدرسة مما يؤدي إلى خلق مشكلات تعليمية كثيرة. كما قامت وزارة التربية والتعليم بوضع (ميثاق أخلاقيات مهنة التعليم ) لتطبيق قيم أخلاقية ومبادئ إسلامية أساسية في مهنة التعليم ليكون المعلم مسئولا عنها أمام الله وأمام نفسه وأمام المسئولين.. وأمام أولياء الأمور.. وأعتقد أن هناك قرارات في الوزارة بمنع الضرب.. ولكن لابد في مقابل منع الضرب أن يعطى للمعلم أو المدير المدرسة الحق في معاقبة الطالب إذا أخطأ فقد سمعنا وشاهدنا مشاهد مؤلمة تطاول فيها الطلاب على المعلمين ضرباً وتكسيراً لسيارتهم وغير ذلك من السلوكيات تنبئ عن خلل أخلاقي وتربوي خطير.. مثل ما يحدث في الأسبوع الأخير من الاختبارات في بعض المدارس في بعض المناطق وكانت حوادث مؤسفة باعتداء بعض الطلبة على معلميهم بالضرب وباستخدام الأسلحة وصلت إلى حد قتل أحد المعلمين.. وآخرون قاموا بسرقة أوراق اختبار بعض المواد التي لم تصحح بعد وذلك بسبب إخفاقهم في الإجابة.. وهنا نرى أن النظام سلب المعلم الكثير من حقوقه التربوية وأصبح فقط ممارساً للتعليم يطبق المقررات ويعطي الواجبات و ويضع الاختبارات ويرصد الدرجات فهو يطبق التعاميم والتعليمات الصادرة والتي أصلاً لم يكن له رأي فيها! وبذلك فقد المعلم هيبته وكرامته بل ومكانته المرموقة التي يفترض أن تمنح لمن يعلم الأجيال ويبني العقول. لذا لابد من إيجاد ضوابط وتنظيمات دقيقة تحدد العلاقة بين المعلم والطالب.. وإعطاء كل منهما حقه وأن تطال العقوبات أي منهما في حالة تجاوزه على الآخر... نجوى الأحمد - جامعة الأميرة نورة