ما من شيء يستحوذ على اهتمام الانسان ويسيطر على فكره أكثر من المال.. ولا من شيء أحب على بني آدم منه. وقد بين ذلك الخالق جل شأنه حين ذكر أن المال زينة الحياة الدنيا.. وقدم ذكره حتى على البنين « المال والبنون زينة الحياة الدنيا....الخ الآية ..سورة الكهف». كأفراد وجماعات، نصرف جل وقتنا في البحث عن المال ومعظم اعمالنا وجهودنا تبذل لتحصيل المال. حتى وإن انكر ذلك من يدعي المثالية منا. وهذه الفطرة البشرية افضت الى أمور كثيرة ووجهت السلوك البشري الى اتجاهات مختلفة لكنها في نهاية المطاف تصب في الاهتمام في تحصيل المال من جانب ومتابعة إنفاقه وصرفه من جانب آخر...الخ. والحقيقة التي لا يمكننا تجاهلها أنه ما من أمر يشغل بال العامة في كل مجتمع أكثر من متابعة تنفيذ المال العام. هذا السلوك وهذه الجبلة هي التي وجهت سلوك الأفراد والشعوب إلى التركيز على عامل المال لمتابعة أداء حكوماتها في إدارة االمال العام وآلية وأوجه تحصيله وصرفه، وأصبحت تقيس أداء أجهزتها العامة بمقدار إدارتها لمدخراتها واستثمارها وترشيد استهلاكها. وبقدرتها على تحقيق الأهداف التنموية والاجتماعية وبالطرق الجيدة والرشيدة. في الأسبوع قبل الماضي كتبت عن الفساد الإداري وأن محاربته يجب أن تكون أولوية وطنية وقد تلقيت ردود فعل إيجابية من كثير من أطياف المجتمع. وما لفت نظري هو قناعة الكثيرين بأن الفساد هو سرطان التنمية ورحم المشاكل الاجتماعية وأن محاربته والحد منه فيصل في تنمية المجتمع وتقدمه ورضاه وقناعته. و يكاد يتفق الجميع على أن الحد من الفساد سيمثل إنجازا تاريخيا اذا ما تم تحقيقه. وقد خلصت في نهاية الطرح إلى أن الحد من الفساد يجب أن يحتل أولوية وطنية إذا ما أردنا أن نعظم عوائدنا التنموية من اعتمادات الميزانية ونحقق تنمية مستدامة. هناك جهود جيدة من الجهات المختصة ولكنها ليست كافية في القضاء على الظاهرة. ماذا لو تم الاستفادة من تجربة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الحد من بعض الممارسات الاجتماعية الخاطئة وتوظيفها في التركيز على كشف ومحاربة الفساد الإداري في بعض الأجهزة التنفيذية. وهي في تقديري وظيفة تتقدم من حيث الأولوية الوظائف الأخرى التي تقوم بها الهيئة حاليا، وإن كانت اعمالا هامة. لعلي هنا أذكر القراء الكرام ببعض الأهداف التي سيجنيها الوطن جراء الأخذ بالمقترح الوارد في المقال السابق المتضمن انشاء برنامج وطني قوي يشرف على كافة الأجهزة المعنية بالفساد ويتمتع بالصلاحيات التي تمكنه من الاطلاع على أداء الأجهزة التنفيذية كلها وتأصيل مبدأ الشفافية والعمل بأسلوب حاسم وجلي لمحاربة الفساد وشحذ همم المواطنين أفرادا وجماعات للوقوف معه في كشف أي عمل ينطوي على رائحة للفساد سواءا في بناء مشروع أو تقديم خدمة. لا يمكن لأي منصف أن يحصي الأهداف الوطنية التي سيحققها برنامج وطني كهذا، لعل من بينها: 1. تعزيز اللحمة الوطنية 2. الحد من تآكل الطبقة الوسطى 3. تقليص الطبقة الفقيرة 4. ترسيخ مبادئ العدالة الاجتماعية التي هي أساس الأمن والاستقرار 5. زيادة مستوى الرضى الاجتماعي 6. اتساع نطاق الخدمات العامة من صحة وتعليم ورعاية اجتماعية...الخ 7. تأكيد وتأصيل جودة المشاريع العامة والخاصة 8. ترشيد الإنفاق الحكومي 9. تحقيق التنمية المستدامة والله الهادي إلى سواء السبيل..