من مقاصد الكاتب حين يكتب أن يحصل على ردة فعل من قارئ ما، غايته أن تصل كلمته، ويرى كيف تترك أثرها في متلقيها. ويكذب من يدعي أنه يكتب غير آبه بالقارئ؛ فعلاقة الكاتب بالقارئ علاقة حميمة جداً. أحياناً ينطفئ الكاتب ويقع في حسبة الكتابة، ويغدو الإلهام نائياً، وربما كلمة من قارئ لا يعرفه تشحذ سكين كتابته من جديد. لا أحد يكتب إلا ويرى قارئاً محتملاً، يتلقى كتابته، وتؤثر فيه، ولو على مستوى تغيير الأمزجة، يحاورك ويتفق معك أو يختلف. سابقاً كان الكاتب يكتب وهو محروم من ردة الفعل الآنية التي يحصل عليها الكاتب الآن. تأتيه ردة الفعل في رسائل للقراء، يخصص لها جزءاً من مقالته أو زاويته، ولها بالطبع التأثير نفسه، لكن الكتابة ذاتها تصل لذلك القارئ وهي متهيئة تماماً له؛ فقد كتبها مؤلفها ونقحها وراجعها، ثم أخذت دورة ثانية من المراجعة والتنقيح لدى وسيلة النشر، سواء أكانت جريدة أو مجلة. الآن، ومع انفتاح وسائل التواصل في تويتر أو الفيس بوك والمدونات، وقبلهما في المنتديات المفتوحة في فضاء الإنترنت، أصبح الكاتب سيد نصه، يكتبه وينشره في البقعة ذاتها، وبالوقت ذاته، والمتلقي حاضر دائماً، يضع له «لايك»، أو يحاوره حولها، يناقشه أو يجادله، أو يصفق له بقوة. هذا التواصل المباشر يجعلنا ككتاب نقع في إغراء الكتابة الآنية. نسلم شحنة المشاعر لهذه اللحظة السريعة؛ إذ المتلقي حاضر دائماً بعد ضغطة زر النشر. تخرج للقارئ كما هي، وربما في الفيس بوك تستطيع التعديل والإضافة والتنقيح.. مراجعة النص مفتوحة لك، بينما في تويتر أنت تكتب، وعندما تضغط زر النشر لا يمكنك حينها المراجعة بالتعديل أو الإضافة، علاوة على أن الكتابة في تويتر تلوي عنق الإلهام، وتحجم وحي الكتابة.. يتلون المؤشر الأحمر فتضطر لحذف مفردة، أو استخدام مرادفها الأقل عدداً في الكلمات. أنت في تويتر تكتب تحت ضغط عدَّاد مؤشر الكلمات. وهذه الكتابة الآنية قد تسلب من الكاتب روتينه في الكتابة؛ فهو يستسلم للحظة الوحي، ويدفع بها للنشر، لا يتأملها كثيراً، ولا ينقحها، والأهم لا يرشح الشخصي منها. بعضهم يرى أن الاستسلام للحظة الكتابة الآنية يُحدث فوضى إبداعية، لسنا بعد مؤهلين للتعامل معها أو فهمها. فالشخصي حينها يطغى، ويبرز.. وطبيعي أن يحدث ذلك؛ فأنت ما زلت تكتب النص، وما زلت تتعامل مع خامته الأولى. الكتابة الآنية تلغي ما تكلم عنه أليوت في المعادل الموضوعي؛ فالكاتب يكتب بدون هذا المعادل؛ فمشاعرك وأحاسيسك تجد من يسمعها دون حاجة للفّها في ورق الكتابة الفاخر، أو إجهاد عقلك بمعادل موضوعي يقدمها.. أليس كذلك؟ وقد يكون في ذلك تفريط بفنك الإبداعي خاصة للسراد والشعراء، لكننا أيضاً لا يمكن أن نتغاضى عن دور هذه الوسائل في إنعاش حالة الكتابة بشكل عام؛ فالكاتب يكتب نصه ويعرضه على أصدقائه، ويتلقى ردة فعل مباشرة، وأحياناً كثيرة يعدل في النص، ويتخلص من هفواته بناء على تعليقات الأصدقاء، أو يحتفل به؛ لأنه تلقى ردود أفعال لم يكن يتوقعها، ويمكن أيضاً أن يحذفه، لكن هذا الدور لا يمكن أن يعول على حياده أو صحته؛ فهو وإن كان يقوم بدور الناقد هنا لكنه ناقد عشوائي، قد يجامل الكاتب، وقد يسرف في انتقاد نصه؛ لأنه تلقاه في حالة مزاجية غير مواتية.