شهدت المملكة العربية السعودية في أقل من عام عدة تفجيرات وهجومًا مسلحًا على عدة مساجد، أغلبها مساجد للشيعة، آخرها الذي استهدف مسجد الرضا بحي محاسن بمدينة الأحساء، أثناء أداء المصلين صلاة الجمعة. إن محاولات تنظير المشكلة، وإظهارها بأنها حدث طارئ وخارجي، لن يخرجنا من هذا الخندق الذي يتسع بفعل الظروف السياسية في الدول المجاورة المحيطة بنا، وصراعاتها الداخلية. وفي كل مرة، تحدث مثل هذه الحادثة، ترتفع شعارات هشة ورنانة عن التعايش، واللحمة الوطنية بين جميع أطياف المجتمع، وترتفع الأصوات مرددة أن هناك من يحاول زرع فتنة ما، وسرعان ما تتلاشى هذه الشعارات، وتنتهي.. ونستذكرها مرة أخرى، حينما تتكرر المأساة. والحقيقة، أن علينا أن نكون واضحين مع أنفسنا، ومع تاريخنا وتراثنا. ففي كل الجانبين ثمة صراعات مع الطائفة الأخرى، تأخذ منحى تاريخيًا متلبسًا بمظهر ديني، ومحاولة نقل هذه الصراعات القديمة لحاضرنا، أشبه ما يكون بحالة خندقة في ماضٍ لا يناسب هذا العصر ومتطلباته. البعض يقترح، أن الحل بأن تكون مساجد السنة والشيعة مشتركة، وهذا برأيي لا يردم الهوة بين الطائفتين، فإن الخلاف بينهما قديم ومتسع، يصعب ردمه من خلال اقتراحات أقرب ما تكون أنها حالمة. كما أنني أرى، أن هذه الاقتراحات، تسعى لإلغاء الاختلاف الطبيعي بين البشر، وتعطي إيحاءً بعدم تقبل الآخر المختلف، ومحاولة دمج الأقلية من خلال إلغاء ملامح اختلافها وتباينها. علماء المجتمع يسمون من يحاولون إلغاء أو طمس الاختلافات بين البشر، وعدم قبول التعددية، بآكلي لحوم البشر الحديثين؛ فليس علينا محاولة التخلص من هذه الاختلافات، بل الحل هو تقبلها، والتعايش معها، والإيمان أن للآخر، أيًّا يكن، الحق في ممارسة دينه بالشكل الذي يراه. يقول «ليسنغ» أحد رواد التنوير الألمان: «يجب أن لا يكون لديكم أوهام، الاختلاف بين البشر سيبقى للأبد». إن محاولة إظهار المجتمع السعودي المتنوع ثقافيًا، يبدو كأنه كتلة واحدة، من خلال إلباسه مظهرًا دينيًا واحدًا، يملك أفقًا ضيقًا لا يقبل حتى الاختلاف الفقهي البسيط بين أفراده، لن يقود إلا لصراعات وجدالات لا تنتهي، وسيكون عثرة في أي محاولة تنموية وإصلاحية لصالح الوطن. على الفرد أن يتخلص من الشعور بالمسئولية التوجيهية الدينية للآخرين، والتركيز على التقاء المصالح التي تجمع بينهم. وقد يكون التقاء هذه المصالح بشكل مباشر كما في العمل، أو الدراسة، أو بشكل عام، فحماية حقوق الآخر، هو حماية للوطن، وتعميق لمفهوم الأمن. ومنها نرجو حفاظًا على أمننا، ووطننا، ومستقبلنا، أن ينص ويفعل قانون لتجريم الكراهية والتكفير، وملاحقة المحرضين في المنابر والمحاضرات، وحتى في وسائل التواصل الاجتماعي. وعلى الخطاب الديني أن يتجاوز حصره في نقطة تاريخية ثأرية، ويتخلص من التركيز على الخلافات، ويسعى للتعاون في المجالات المشتركة. الدول المتقدمة تعتبر التعددية مصدر قوة، وطاقة للبلد، بكل أشكالها، الدينية والثقافية والسياسية. ولنا في أمريكا وسويسرا مثالاً للتعدد العقائدي، والثقافي، واللغوي، وكيف منحهم هذا الاختلاف والتنوع مصدر طاقة، وإلهام، وتقدم حضاري.