قال تعالى في كتابه الذي أمر المسلم بأن يتدبره ويثوّر ما فيه: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أولادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّه افْتِرَاءً عَلَى الله قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ}. وقد وقعت هذه الآية وسطاً بين آيات تتكلم عن حال المشركين، وكيف أنهم يحلّلون ويحرّمون في هذه الأنعام من قبيل أنفسهم، وحسب أهوائهم ورغباتهم، من غير أن يأذن الله لهم في شيء من ذلك. فكانت هذه الآية لتذكير الناس بحرمة الافتراء على الله في التعاطي مع الأولاد حين يقتلون من دون سابق ذنب يوجب القتل. وقد يُقتل الأبناء في زمننا الحاضر، وذلك بحرمان الإناث من الميراث بحجة أنهن متزوجات، ولا يريد أن يذهب ماله إلى الغريب، وهو زوج البنت! وهذه صورة من صور الافتراءات التي انتشرت، وهي إشارة حتى لا يظن ظان إلى أن الآية تتكلم عن قتل الأبدان فقط. وإنك لو مررت استبياناً تسأل فيه عن ماهية وأد البنت فإني أكاد أجزم أن نسبة كبيرة ستقول لك «وأد البنت هو قتلها وظلمها خشية الإنفاق عليها». وهذه الإجابة ليست بمستغربة؛ فالمستعمر قد خلف عندنا ثقافة الأشكال والقوالب التي لا تتبدل ولا تتحول. إن صور وأد البنات في وقتنا الحالي تكاد تكون أشنع وأفظع من السابق، فإن إهمال البنات، وعدم العناية بهن، وتركهن لكل متربص يعبث بهن، إنه - وربي - لوأد خفي، وإنه لظلم عظيم. إنه ينقصنا كثيرٌ من التأمل في الآيات والأحاديث؛ كي نطبقها على واقعنا آخذين في الاعتبار أن نكون على مستوى كبير من النضج والفهم عند تناولنا لقضايانا. فالعلاقة بين العبد وربه قائمة على اتباع أوامره، واجتناب نواهيه في جميع شؤون الحياة التي ستنتهي يوماً ما، وسنحاسب بعدها بقدر مثقال الذر؛ فلنلزم أمر الله، ولنهتدِ بهدي سُنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولنحذر من سبيل الشيطان الذي تمرد على ربه حين قال: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَة اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا}. فهذا التمرد الشيطاني يجب أن يحذر منه المسلم حين يتعاطى مع الحلال والحرام. فالآية تكلمت عن الافتراء على الله بالقتل، لكنها تنبهنا إلى أن الافتراء على الله له صور مختلفة وأشكال متعددة. الشيخ إبراهيم بن الأخضر بن علي القيم - شيخ القراء بالمسجد النبوي