يبحث عن ملامح وجه مألوف بين القادمين، يتفحصُ جيداً، ينتظر طويلاً، ثم يعودُ إلى منزله خائباً يجرُّ قدميه. يجلس أمام المدفئة يفرُكُ يديه طلباً للدفءِ، يحتسي الشاي مع قطعة كعك يغمسها بحركة لا إرادية..كُلُّ النَّاسِ يمُرُّ من هُنا ، لابد أن أجده ، كان يحدث نفسه بينما يرتشف ما تبقى في الكوب . بدأتْ تُمطِر بِغزارة ، لابد أنَّه أخطأ طريق العودة ، ونسي مظلته قالها مُتَمتِماً، فكلُّ فصلٍ يمُرُّ في السنة يُذكرني به ، ها قد حلَّ الشِّتاء ، وجاء المطر ، واعتدلت الأجواء ، فأين اختفيتَ وتركتني ؟ كُنتُ في السابق غير مُبالي ، لا أهتم بوجود أحد ، كان الجميع حولي ، يتصلون بي حين يفقدونني ، ويرسلون إليَّ ويزورونني ، كل هذه الأحداث تمُرُّ بشكل روتين يومي ، لذلك لم أُعرها انتباهاً . اليوم ومن بين هؤلاء العابرين افتقدك ، صِرتُ أبحث عنك. كنتُ أتعجب من كثرة اتصالك وسؤالك رغم كثرة انشغالك، وارتباطاتك. كُنتَ تقُولُ أشياء كثيرة وجميلة ، لم تؤثر فيني ولم يكُن لها صدى إلا حين تركتني ورحلت .إنها تتردد في أُذُني ، وكأني أسمعها منك الآن ، أينَ كُنتُ حين قلتها لي ؟ لماذا لم أكن مُشاركاً لك في أحاديثك الممتعة ، ورحلاتك القصيرة ، حتى الهدايا كان لي نصيب منها وأنا الذي لا يعرف الهدية .. فغيابك أحدث فجوة عظيمة في نفسي ، شعرتُ بمرارة فقدك ، وقطعتُ على نفسي عهداً أن أبحث عنك ، لأنك الوحيد الذي كان لغيابه تأثير ، ولانقطاعه تغيير ! نعم لقد تغيرت ؛ أصبحتُ بشُوشاً ، أُقابِل النَّاس بابتسامةٍ كلَّ صباح ، أُداعِبُ الأطفال الذين لم أكُن أُطيقُهُم ،أُمارسُ رياضة المشي ، أخرجُ حين سماعي لقطرات المطر تطرق نافذتي ، أُسامح كل من أخطأ في حقي ، ألتمس العذر لكلِّ من حجبته ظروفه عنِّي ، أكتُبُ إليك قبل أن آوي إلى فراشي. صوت الصاعقة يشق هدوء الليل لكنه لم يقطع صوتك عن أُذُني ، ولم يقطع الأمل بالعثور عليك .. ما أصعب الحياة حين تعيشها وحيداً دون أصدقاء !