على سيمفونية الطيور كعادتي، احتسيت قهوة الصباح بنكهة رواية جديدة قررت قراءتها.. إشراقة الأمل يظهر بريقها في عيني وأنا أحاول اكتشاف مكنونها.. بدأت أقلب الصفحات وأدحرج ناظري على تلك الأسطر.. أخذت فنجان قهوتي، احتسيت منه القليل لكنها كانت ساخنة؛ فتركتها. واصلت القراءة، أدركت أن أحداثها تدور حول أم على شفي حفرة من الضياع، بعد أن وجه كل منهم سلاحه نحو الآخر، تحاول إقناعهم بأن ما يفعلونه ليس سوى رمز للضعف.. جعلتني أحداث الرواية أحلق في سماء صفحاتها، أصابعي راحت ترمي بها صفحة خلف أخرى وأخرى و... وجدتها مفخخة بكلمات وكأنها طيور أبابيل ترمي الرواية بحجارة من وجع.. لم أتردد في استمراري بالغوص في أعماقها مع أنني أحسست بأن طقوس الموت تقترب، أحملق في كلماتها، استجمع جملها، أرتب أفكارها. بركان الصراع بين الأبناء يثور، الموت يمد ذراعيه ليحتضنهم، الأم تربطها بقطعة قماش من ثلاثة ألوان تحاول إيقافه.. فنجان القهوة يناديني ولم أعره اهتماماً.. لا أضيع وقتاً لأصل إلى ما أريده « النهاية «، وها أنا ذا قد وصلت إليها، كانت الصفحة الأخيرة وفيها أدركت أن الأبناء قد اتفقوا على ألا يتفقوا موجهون أسلحتهم - التي يتباهون بها - نحو أمهم هذه المرة، سباباتهم تعانق الزناد وهم في وضع استعداد، يرددون تراتيل الموت. انتهت القراءة، رحت أبحث عن الصفحة التالية فلم أجدها، شعرت حينها أنني كنورس أعمى يحلق فوق بحر الحيرة بقلب أبكم بدأ يخلو من النبضات.. لم استطع تقبل رواية لا نهاية لها؛ ركضت نحو مكتبتي، اقتنيت ورقة وبدون أن اهتم إذا كنت قد انتهكت حرمة الرواية رحت أكتب على تلك الورقة نهاية أحيت أزاهير قلبي التي كادت أن تذبل، وذلك حين أيقظت الأم من كابوسها لتجد الهدوء يحيط بها، إلا من صوت أبنائها وهم يرددون لحن الولاء.. أخذت الورقة، وألصقتها بنهاية الرواية.. التفت، وأخيراً أخذت فنجان القهوة الذي بدا مستساغاً لشربه.