يعتبر النفط ومنذ عقود خلت اهم مصدر للطاقة في العالم. غير ان الارتفاع الكبير في اسعاره بدأ يسبب له كثيرا من الضرر؛ نظراً لأن هذا الارتفاع يجعل من البدائل سواء النفط غير التقليدي او الغاز الطبيعي او الطاقة المتجددة خصماً عنيداً ينافسه على حصة يزداد حجمها كلما تخطت اسعار النفط حاجز 100 دولار للبرميل. وخير شاهد على ذلك ما حصل بأمريكا من ثورة في انتاج الزيت والغاز غير التقليدي، بعد ارتفاع اسعار النفط في السنوات الاخيرة. ورغم الانخفاض الأخير في اسعار النفط، إلا ان الانتاج الامريكي للسوائل البترولية ارتفع في الربع الرابع للعام الماضي الى 13.4 مليون برميل باليوم، بعد ان كان معدل انتاجها في 2012م 10 ملايين برميل باليوم فقط. ومع بداية 2015م واستمرار الانهيار الكبير لأسعار النفط، والانتاج الامريكى ما زال مستمراً في الارتفاع رغم الانخفاض في الاسعار، حيث يتوقع ان يصل الانتاج في الربع الثاني من العام الحالي الى حوالي 13.7 مليون برميل باليوم. وتوقع تقرير الأوبك الأخير ان يستقر معدل انتاج امريكا للسوائل البترولية في عام 2015م عند 13.7 مليون برميل باليوم. وهذا يدل على ان انتاج امريكا من السوائل البترولية سيصل الى القمة في النصف الثاني من عام 2015م، وعندها تبدأ اسعار النفط المنخفضة بإلقاء ظلالها على اعمال الحفر والتنقيب واستخراج الزيت الصخري. وبحسب شركة بيكر هيوز، فإن عدد منصات حفر النفط وصل الى القمة التاريخية في امريكا في شهر اكتوبر الماضي بحوالي 1610 منصات حفر. ولقد انخفض عدد المنصات في منتصف شهر ابريل الحالي الى 734 منصة (الاقل منذ ديسمبر 2010م)، وكان قبل اسبوع 760 منصة، وبذلك يصبح عدد منصات الحفر بأمريكا حالياً الأقل في أربع سنوات، ويبدو جلياً ان الانخفاض حاد وسريع، مما يعزز حقيقة ما حصل لصناعة النفط الصخري بأمريكا من تراجع جراء انخفاض الاسعار، وإن اخذت الاعراض بعض الوقت للظهور. وتعد روسيا والمملكة اكبر مصدري النفط التقليدى في العالم، اذ ان كلاً منهما يصدر حوالي 7.3 مليون برميل باليوم، ويستأثران معاً بحوالي 35% من البترول المباع بالعالم. ولكن احتياطيات المملكة اكبر بكثير من احتياطيات روسيا (حوالي ثلاث اضعاف). وهذا يجعل المملكة اجدر بالحرص على مستقبل النفط التقليدي، والعمل على حمايته من منافسة مصادر الطاقة الاخرى. ولقد تراجعت اسعار النفط حالياً بشدة؛ نتيجة وجود حوالي 2 مليون برميل من الفائض اليومي في الاسواق العالمية. ولقد سجلت اسعار النفط في السنوات 2011 و2012 و2013م ما معدله حوالي 110 دولارات للبرميل، وانخفضت اسعار النفط في الربع الاول من العام الحالي بحوالي 50% عن مستويات السنوات الثلاث المذكورة. وهذا يعني ان كلاً من روسيا والمملكة خسرتا في الربع الاول فقط، حوالي 32 مليار دولار عن اسعار 110 دولارات للبرميل. وبالتالي لا يوجد مستفيد من انخفاض اسعار النفط غير الدول المستوردة. ولو قارنا ما خسرته ايران وفنزويلا بنفس المدة الزمنية لوجدنا انهما خسرتا حوالي 7.5 مليار دولار لكل منهما في الربع الاول، ولذلك فإن المملكة احرص الجميع على مكانة النفط التقليدي، واكثر ما يهمها هو استدامة النفط التقليدي كأكبر مصدر للطاقة في العالم ولعقود قادمة وبدون مزايدة من احد. ينتج العالم حالياً حوالي 92 مليون برميل باليوم، وتقدر الكميات المباعة من النفط بين الدول بحوالي 40 مليون برميل باليوم، وهذا يعني ان حوالي 56% من النفط يستهلك من قبل الدول المنتجة. وتصدّر اوبك حوالي 24 مليون برميل باليوم، بينما تصدّر دول خارج اوبك حوالي 16 مليون برميل باليوم، وهي كالتالي: روسيا حوالي 7.3 مليون برميل، وحوالي 2.2 مليون برميل باليوم من كازاخستان واذربيجان، وحوالي 2.5 مليون برميل باليوم من كندا والمكسيك والنرويج، وحوالي 1.6 مليون برميل باليوم وعمان، وحوالي 0.8 مليون برميل باليوم. ولقد قررت اوبك في اجتماعها الدوري رقم 166 عدم خفض الانتاج نظراً لارتفاع الانتاج من خارجها. ولذلك فإن من الحكمة التعاون والنقاش بين اوبك وغير اوبك للوصول الى قاعدة صلبة وشفافة ترضي مصدري النفط من داخل اوبك وخارجها. وتغيرت اسواق النفط كثيراً، فكمية الانتاج حالياً من خارج اوبك هي الاعلى في التاريخ (حوالي 57.8 مليون برميل باليوم)، وهذا يجعل المحافظة على الزبائن وعلى استقرار الاسعار امراً صعباً. فبعض الدول من خارج اوبك تريد ان تنتج ما تشاء من النفط وتطالب اوبك بخفض انتاجها حتى تنعم بإنتاج عال واسعار عالية، ولذلك لا بد من عقد ورش عمل لدراسة الانتاج وتأثيرها على الاسعار بين مصدري النفط من اوبك وخارجها، وأهمهم روسيا وبعض جمهورياتها السابقة والمكسيك وكندا والنرويج. فلو تم الاتفاق بين هذه الدول على خفض مليون برميل باليوم من الجميع لعاودت الاسعار ارتفاعها الى مستوى 70 - 80 دولارا للبرميل. ويجب ان لا يغيب عن البال ان ارتفاع اسعار النفط عالياً ليس في مصلحة الدول المصدرة للنفط؛ لأنها تجعل من بدائل النفط التقليدي منافساً قوياً، وربما بقاء الاسعار ما بين 70 - 80 دولارا يكون في مصلحة الجميع. والأمل ان لا يعتاد منتجو النفط التقليدي على اسعار عالية لنفطهم؛ لأن في ارتفاع الاسعار هذا بداية النهاية لمكانة النفط التقليدي كمصدر اول للطاقة بالعالم، خاصة مع التقدم الكبير للغاز الطبيعي والمزاحمة من النفوط غير التقليدية والطاقة المتجددة. * مركز التميز البحثى للتكرير والبتروكيماويات جامعة الملك فهد للبترول والمعادن