لم يخف الكاتب الأميركي توماس فريدمان، حالة الاستهجان التي وجدها في شبكات التواصل الاجتماعي كردة فعل أولية على زيارته السعودية. أرجع السيد فريدمان حالة الاستهجان إلى «انتقاده تصدير السعودية لفكرها السلفي»، والحقيقة أن كتاباته المتجنية عن السعودية وشعبها، دون تبصر، وعدم حياديته في الطرح، وبعده التام عن الموضوعية والإنصاف في كل ما يخص المملكة وشعبها، هو ما تسبب في ظهور التعليقات المستهجنة في «تويتر». أجزم أن حالة الجفاء بين قادة الفكر والإعلام الغربيين، وبين السعودية تسهم بشكل أكبر في تغذية الخط المتجني في الكتابة الصحفية والبرامج التلفزيونية. قد تُبنى بعض الرؤى الإعلامية على تعمُّد مسبق، ما يعني استحالة تغييرها لارتباطها بأجندة محددة، إلا أن بعضها لا يخلو من جهل الإعلاميين، وبعض مراكز البحث، بشؤون المملكة، ما يستوجب فتح الأبواب والنوافذ بطريقة احترافية تساعد على معالجة القناعات الخاطئة بالحقائق الثابتة. الحوار الدائم أفضل وسائل معالجة الأفكار المغلوطة، والمخاوف غير المبررة، وهي وإن لم تسهم في إعادة التوجيه نحو الكتابة الإيجابية عن المملكة، فستسهم دون شك في تحجيم الكتابات المتجنية. الكتابة من الداخل لا تعطي الكاتب المعلومة النقية فحسب، بل تُؤسس له جسور التواصل والاندماج التي تُسهم مع مرور الوقت في إحداث التأثير الإيجابي على مخرجاته الفكرية، شريطة وجود المنظومة المحكمة القادرة على التعامل مع الفكر الغربي وفق الثقافة الغربية، المؤطرة بأهدافنا الوطنية. الأمر ينطبق على المؤسسات البحثية، وقوى الضغط في البرلمانات الغربية ومؤسسات المجتمع المدني، التي دفعها تجاهلنا لها للارتماء في أحضان أعداء الأمة. استضافة «مركز الملك سلمان للشباب» للكاتب الأميركي «توماس فريدمان» ربما تكون جزءاً مهماً من الإستراتيجية الإعلامية المنفتحة التي تنتهجها الحكومة، وهي سياسة قد تحدث في بداياتها بعض الألم، إلا أن نتائجها الإيجابية ستكون مبهرة، على المدى البعيد. تغيير رؤية الإعلام الغربي تجاه المملكة ليست مهمة سهلة، غير أن تحقيقها لن يكون مستحيلاً، متى وجدت الإرادة والفكر المنفتح والبرامج الاحترافية والإدارة الحصيفة للمنظومة الإعلامية الحكومية الشاملة. أعود للجانب الاقتصادي من حديث «فريدمان» ونقله عن سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي أكد له أن: «ترشيد الأداء الحكومي يمثّل أهمية كبيرة لمساعدتنا في محاربة الفساد، الذي يُعد واحدًا من تحدياتنا الرئيسة». أجزم أن ترشيد الأداء الحكومي أحد أهم أدوات معالجة المشكلات، ومنها انخفاض الدخل وتحقيق كفاءة الإنفاق، وتأسيس قاعدة صلبة للعمل المؤسسي القادر على مواجهة التحديات وتحقيق النمو المستدام وخلق الفرص، في أحلك الظروف المالية. مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية ربما كان المحرك الرئيس لجهود التطوير وإعادة الهيكلة التي باتت أكثر وضوحاً ونضجاً.. «برنامج التحول الاقتصادي» أحد أهم البرامج المحددة لمستقبل المملكة.. الشراكة الحقيقية بين وزارات الدولة الاقتصادية والتوجيه الأمثل لعملها التكاملي المشترك، من قبل المجلس، وتجنيدها لخدمة برامج حكومية واضحة ومرتبطة بزمن تنفيذ محدد، مع قياس الأداء وفق مؤشر علمي تزيد من حجم التفاؤل بقدرة «برنامج التحول الاقتصادي» على تحقيق أهدافه وفي مقدمها تنويع قاعدة الاقتصاد، وتنويع مصادر الدخل، وزيادة حجم الصادرات السعودية. مكافحة الفساد أحد أهم أدوات تحقيق كفاءة الإنفاق وترشيد العمل الحكومي.. الفساد قضية عالمية، غير أنها أكثر تفشياً في الدول النامية. تأثيرها سيكون ظاهراً ومؤلماً مع انخفاض الدخل. ضمان تحقيق الكفاءة القصوى للإنفاق الحكومي، وتحجيم الفساد المالي وتشديد الرقابة بأنواعها، سيسهم بشكل مباشر في خفض انعكاساته السلبية. ومما قاله سمو ولي ولي العهد ل «فريدمان» إن «التحديات الرئيسة تكمن في اعتمادنا الزائد على النفط وسبل إعداد وإنفاق ميزانياتنا».. وهذه حقيقة ثابتة، تحتاج إلى عمل دؤوب وجهد كبير لإعادة هيكلتها. نحن في أمسّ الحاجة إلى توجيه الإنفاق الحكومي نحو المشروعات الداعمة لقطاعات الإنتاج، والاستثمار في القطاعات الاقتصادية المهمشة التي يمكن أن تسهم بشكل كبير في الناتج الإجمالي المحلي، وخصخصة بعض القطاعات لضمان جودة مخرجاتها وخفض أعباء الحكومة المالية. الاعتماد على النفط يجب أن يتناقص تدريجياً وفق خطة محكمة وبرامج عمل واضحة، وأحسب أن الحكومة بدأت في وضع خطتها الشاملة للوصول إلى هذا الهدف. الانطباع الإيجابي والمتفائل الذي خرج به «توماس فريدمان» بُني على رؤية الأمير محمد بن سلمان، التطويرية الشاملة، وتعاطيه مع القضايا المهمة في جوانبها السياسية، الاقتصادية، الإعلامية الفكرية، والمجتمعية، وهو الانطباع الذي خرجنا به مع زملائي الإعلاميين، بعد تشرفنا بلقائه في «أنطاليا». رؤية واضحة، وإلمام تام بالقضايا المطروحة، وأهداف رُبطت بفترات زمنية محددة، ومبادرات طموحة لإعادة هيكلة الاقتصاد على أسس متينة ومستدامة. ربما يشهد العام 2016 برامج نوعية لإعادة هيكلة الاقتصاد، وترشيد العمل الحكومي، والتركيز الأكبر على تحقيق النزاهة ومكافحة الفساد، وتفعيل أدوات «برنامج التحول الاقتصادي» الذي سيحدد مستقبل المملكة، بإذن الله.