تُعتبر مشكلتا الإدمان والتطرف من الأخطار الحقيقية التي تهدد بناء المجتمعات واستقرار الدول وتطورها ونهضتها، لا سيما في ظل ثورات الاتصالات والمعلومات التي تجتاح العالم وتعدد قنوات التواصل التي يعتمد عليها الشباب بشكل رئيس في حياتهم اليومية، الأمر الذي جعل من مواجهة هذه المخاطر ضرورة مُلحة لمجتمعاتنا الإسلامية والعربية، وهو ما تسعى المملكة له من خلال تعزيز القيم الإسلامية والاجتماعية والأخلاقية. وعملت المملكة من خلال البرنامج الوقائي الوطني للطلاب والطالبات (فطن) على التحصين الذاتي والنفسي والأخلاقي للطلاب والطالبات لوقايتهم من مخاطر المخدرات والأفكار المنحرفة والسلوكيات الخطرة، وذلك من خلال غرس وتعزيز القيم الدينية والاجتماعية والأخلاقية، وفق آليات علمية حديثة تركز على التدريب والتوعية الذاتية بأسلوب تربوي إيجابي ينمي المهارات الفردية الشخصية والاجتماعية دون التطرق لها مباشرة للتوعية بسلوكيات محددة لأن هدفه التحصين الوقائي الذاتي وفق برامج تربوية وتدريبية ومحاضرات توعوية وورش عمل، وبرامج إعلامية, وتكوين فرق تطوعية تدعم تنفيذ خطط وإستراتيجيات البرنامج في مناطق المملكة. ومع تزايد مخاطر المخدرات ومشكلات التطرف في ظل التحديات الراهنة، يتعاظم دور الأسرة السعودية في مواجهة هذه المخاطر وتقييم ومتابعة سلوك الأبناء واكتساب المهارات اللازمة التي تمكنهم من عمليات الاكتشاف المبكر لهذه المشكلات حال وقوعها، ومعرفتهم بالطرق العلمية الصحيحة للمعالجة والوقاية من هذه الأخطار. الاكتشاف المبكر وفي هذا السياق، أكد خبراء تربويون ومتخصصون على ضرورة أن يمتلك الوالدان عدداً من المهارات اللازمة التي تمكنهم من الاكتشاف المبكر لمشكلات الإدمان والتطرف عند الأبناء قبل تفاقمها، من خلال التواصل والحوار المستمر والمتابعة المتواصلة للسلوك وقوة الملاحظة، وترسيخ القيم الحميدة والتحفيز وطرح النماذج الناجحة التي يجب الاقتداء بها. ولخّص خبير التدريب في برنامج فطن بالإدارة العامة للتعليم بمنطقة الرياض فهد بن علي أبا الخيل، المهارات التي ينبغي على الوالدين اكتسابها لعملية الاكتشاف المبكر في متابعة سلوك الأبناء وملاحظتهم، واستخدام مهارة التواصل البصري والحوار مع صحبتهم والاقتراب منهم، وطرح النماذج والقدوات التي تتمسك بالطريق الوسطي الطريق الذي ارتضاه الله لنا حيث قال: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)، فإذا ظهر عليهم أيُّ عارض ومؤشر على الميل إلى التطرف أو الإدمان تبدأ الأسرة باتخاذ الإجراءات المناسبة منها: اكتساب مهارة الإقناع والحوار، والاطلاع على النصوص الشرعية التي تحذر من الانحراف والغلو. بينما اعتبرت الدكتورة نور صالح البلوي مديرة مركز التدريب التربوي في تبوك والخبيرة في برنامج فطن، أن المهارات تأتي عن طريق الخبرات المباشرة التي تعرّض لها الوالدان، أو عن طريق ملاحظة سلوك الآخرين وما اكتسبوه من مهارات شخصية واجتماعية حصلوا عليها من قراءات متعددة أو عن طريق محاضرات أو برامج تدريبية فيستفيد منها الوالد. ولخّصت الدكتورة نور المهارات التي يجب اكتسابها في مهارة قوة الملاحظة التي من خلالها يتم اكتشاف أي انحراف في الفكر أو السلوك، ومهارة التواصل الفعّال مع الأبناء والاستماع المستمر لهم، والتحاور الفعّال مع الأبناء وتفهم الأسباب وراء تصرفاتهم وسلوكهم، وتقبل آرائهم ومحاورتهم بأسلوب معتدل ومتوازن، ومهارة حل المشكلات بطرق علمية صحيحة، ومهارة اتخاذ القرار حتى يستطيع الأبناء اتخاذ القرار الصائب والمناسب في حالة تعرض أحدهم لهذا المشكلة فيسارع لحلها بذاته، ومهارة التحفيز والثناء لتنمية السلوك الإيجابي لدى الأبناء وتقدير ذواتهم ليكونوا واثقين من أنفسهم. دور الأسرة وعن الدور الذي يجب أن تضطلع به الأسرة في حال ظهور معالم الإدمان أو بوادر التطرف على أحد الأبناء، قال المشرف التربوي فهد أبا الخيل: إن التطرف والإدمان لا يُعدان خطأ سلوكياً أو فكرياً فحسب، بل هما خطر وشبح يؤرق الوالدين، وقد نبهنا الرسول صلى الله عليه وسلم بأهمية متابعة الأبناء، والحرص عليهم، وأن رب الأسرة سيُسأل عنهم حيث قال: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته الإمام راع ومسئول عن رعيته والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها».