سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الاشتغال بالطّعن في الناس من طبائع النفوس الشريرة والصدور الحاقدة أكد أن الظنون السيئة بالناس تنصب حبال المكر وشباك الخديعة.. د. صالح بن حميد ل«الجزيرة»:
أكد معالي الشيخ الدكتور صالح بن عبد الله بن حميد المستشار بالديوان الملكي وعضو هيئة كبار العلماء وإمام وخطيب المسجد الحرام أن الظنون السيئة بالناس تنشأ عنها المكائد والطعن في الأنساب والأعراض، وبسببها تنصب حبال المكر وشباك الخديعة فتحصل الفرقة والشحناء، ويذل العباد، وتطغى الأنانية، وتنزع الثقة، وتسود العداوة. وقال معاليه في حديثه ل (الجزيرة): إن من صفات المجتمع المسلم أن يأمن الناس بعضهم بعضاً، ويأنس بعضهم ببعض، صدورهم منشرحة، وسرائرهم صافية، ونواياهم حسنة، لكن قد يحدث أن يندس بين هؤلاء من يتتبع السقطات، ويفرح بالهفوات، ليتندّر بهذا ويشيء بذلك، وقد يكون عنده فضل مال يستريح في ظلاله، فلا هم له إلا بالتسلي بشؤون الآخرين وأشيائهم، استطالة وتهكماً وازدراءً وتنقصاً، همزاً ولمزاً، ونبزاً وغمزاً، وصاحب الهوى والأغراض لا يجد متنفساً لما في صدره إلا تلفيق الأكاذيب وتزوير الأخبار متنصلاً عن المسؤولية العظمى، مبتعداً عن شرف أمانة الحديث، وحفظ حقوق المسلمين، ونعلم جميعاً أن الهوى ما خالط شيئاً إلا أفسده، يخرج العالم من السنة إلى البدعة، ويوقع صاحب الزهد في الرياء والسمعة، يجر الحاكم إلى الظلم والصد عن الحق. وإذا وقع الهوى في الأخبار والأقوال كان مطيّتها إلى الكذب وسوء الظن {هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ}. وتأسّف د. صالح بن حميد لما هو موجود في المجتمعات المسلمة مجالس ومنتديات لا همّ لهم ولأصحابها إلا القيل والقال والخوض فيما لا يفيد، يتناقلون الأحاديث دون وعي أو تثبت، يلصقون بهذا ما ليس فيه، ويظنّون ظن السوء، مطيتهم في ذلك «قالوا وزعموا»، وبئس مطية الرجال زعموا، وإذا ضعف الوازع تجرّأ المرء على الاستخفاف بالحرمات، وقلّ عنده احترام الناس، واستمرأ الكذب، واتخذ من الشبهات مطايا، بل قد لا يتورع أن يدلي بشهادات كاذبة وأقوال ملفقة، فهو قليل المروءة، صفيق الوجه، يفرح بالكلمة السيئة ليشيعها في الناس من غير نظر في العواقب، وبهذا وأمثاله تشيع البلبلة، وتسري الظنون والقلاقل، وتعيش الأمة في حدس وتخمين مما يهدد مصالح الجماعة وينشر الوساوس والمخاوف، ويؤدي إلى اضطراب الأحوال، بل قد يقود إلى الاستهانة بالكرامات والاعتداء على الأنفس والأموال، والوقوع في الأعراض وقتل المعنويات، كما أن السماح بانتشار الشائعات القائمة على الظن السيئ، وقبول كل خبر وعدم التروّي، يولد التحسس، وينبت التجسس ويجر الى تتبع العورات والتطلع إلى السوءات، ذلك أن الباطل إذا كثر ترديده وطال التفكير فيه انقلب عند الناس في حكم الحق، وحينئذ تقع الواقعة على المتهمين المظلومين، ولعل هذا هو السر في النهي عن التجسس بعد الأمر باجتناب الكثير من الظن في قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أمنوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا}. ومن الأسرار في هذه الآية الكريمة: الأمر باجتناب كثير من الظن لأن بعض الظن إثم، فيجتنب الكثير من أجل منع القليل، وفي الحديث الصحيح عنه - صلى الله عليه وسلَّم - : (إياكم والظن، فإنَّ الظن أكذب الحديث)، مخرج في الصحيحين وغيرهما. وكم أدَّى سوء الظن وعدم التثبت في الأخبار إلى أهواء ما بعدها أهوال، أزهقت نفوس، وأضيعت أموال، وتشتت أُسر، وخُربت بيوت، وقُطعت أرحام، كما أن التعجل وعدم التأني في هذه القضايا الخطيرة يفسد على أهل العقول عقولهم، ويذهب برويّتهم وتفكيرهم، فيصبح العيش مريراً، وتصبح الحياة سعيراً، لذا لا بُدَّ من التؤدة والثبات حتى لا تزل قدم بعد ثبوتها، وتنزلق في مجاهل الحوادث والأحداث، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أمنوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}. ويبيّن معالي الشيخ صالح بن حميد: إن الشجاعة كل الشجاعة، والبطولة حق البطولة حين يملك المرء نفسه عن مثل هذه السلوكيات، ويملك الزمام أن يفلت بسبب كلمة طائشة من أحمق، أو وشاية مغرضة من حاقد، وحق المؤمن على أخيه أن يحمي ظهره وعرضه، وتصان كرامته ومعنوياته إلى أن يتبيّن بوضوح ما يستحق عليه المساءلة والمؤاخذة، لذا يجب على الفرد والجماعة المسلمة وكل مسؤول ألا يقبلوا ما يصل إليهم من أخبار أو يصدقوا أنفسهم وسائر حقوقهم ومتعلقاتهم، كما ينبغي أن يسود حسن الظن بالمؤمنين والاطمئنان إلى طويتهم، والثقة بحسن نواياهم، وتغليب جانب الصدق في أقوالهم والخير في تصرفاتهم، ما دامت أحوالهم الظاهرة مأمونة، والمساوئ مستورة، وقد قيل: إذا رأيتم المؤمن صموتاً وقوراً فقد سلك مسالك الحكمة، والمسلمان يجلسان بأمان الله، فلا يحل لأحدهما أن يفشي على أخيه ما يكره بغير حق، ومن رُزق حياء مع قلة أذى، وصلاحاً مع قلة كلام، وعملاً مع قلة فضول، فقد أوتي محاسن الأخلاق، ونقول لكل مسلم: ليكن حظ أخيك منك ثلاثاً: إن لم تنفعه فلا تضرّه، وإن لم تفرحه فلا تغمّه، وإن لم تمدحه فلا تذمّه. واختتم د. صالح بن حميد حديثه بالقول: إن الاشتغال بالطعن في الناس وذكر نقائصهم، والتسلي بالخوص في معائبهم وإفشاء مقالة السوء بينهم من طبائع النفوس الشريرة والصدور الحاقدة، وهو من أظهر الدلائل على قلة التوفيق والانشغال بما لا يفيد، يقول تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا}.