بعد كل ظهور نادر لمسؤولي مؤسسة النقد العربي السعودي، نكتشف قدرة «ساما» على إيصال المعلومات الدقيقة والشفافة والمقنعة للرأي العام، ما يجعلنا نتساءل عن سر تفضيلها الصمت، ومقاطعة الإعلام برغم أهمية ظهور مسؤوليها للتعليق على الأحداث المالية، وتفنيد الشائعات، وتقديم الإجابات المقنعة لكل ما له علاقة بالاقتصاد والقطاعات المالية بشكل خاص. يُفترض أن يحظى التعامل الإعلامي مع القرارات الرسمية والأخبار الاقتصادية بالشفافية المطلقة، والقدرة على إيصالها في وقتها، وباحترافية للمتلقين، بعيداً عن اللبس والتأويلات، وبما يساعد على إشباع نهم الإعلاميين والمحللين والأسواق المالية. توقيت الظهور الإعلامي غاية في الأهمية، بل ربما تسبب التوقيت المناسب في تحقيق الأهداف المعرفية بجهد محدود، في الوقت الذي تفشل فيه الجهود الإعلامية المركزة تصحيح الأفكار الخاطئة بعد انتشارها، تظهر أهمية التوقيت في الجوانب المالية التي تحتاج دائما للحضور الإعلامي، وتطبيق إستراتيجية استباقية للأحداث المجدولة سلفاً، وتفاعلية مباشرة للأحداث الطارئة، ما قد يسهم في حفظ التوازن، والنأي بالاقتصاد وقطاعاته المالية عن الهزات العنيفة التي قد تحدث لأسباب مرتبطة بالشائعات العفوية، أو الموجهة. بقليل من الجهد، أوضح الدكتور أحمد الخليفي، وكيل محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي، للأبحاث والشؤون الدولية، أهم البيانات المالية التي تفنّد الشائعات المرتبطة بوضع المملكة المالي، وأكد من خلال قناة «العربية» أن الاقتصاد السعودي، «يتمتع بتقييم مرتفع مقارنة مع دول العالم، وبدعم من احتياطيات مالية ضخمة تساعد المملكة على امتصاص أي صدمات خارجية، ويمكنها من مواجهة تداعيات ما يجري في الأسواق المالية العالمية». وتحدث الدكتور الخليفي بإيجابية وشفافية عن القطاع المصرفي الذي يُعتبر ركيزة النمو في النشاط الاقتصادي، وأكد أن المملكة مستمرة في تثبيت سعر صرف الريال مقابل الدولار، وأن ما حدث في العقود الآجلة مرتبط بهجمات المضاربين الذين يستغلون الأزمات لتحقيق مكاسب على حساب عملات الدول. طَرْح الدكتور الخليفي المتميز بدقة المعلومة واحترافية إيصالها للمشاهدين، ربما كان أكثر تأثيراً لو اختار التوقيت المناسب للظهور، وهنا لا أتحدث عنه شخصياً، ولكن عن مؤسسة النقد، بوضع المملكة المالي، واحتياطياتها الضخمة، وطمأنة الأسواق بتفسيرها إجراءاتها المعتمدة على السندات بدل السحب من الاحتياطيات الحكومية. التأخر في الإعلان عن إصدار السندات الحكومية تسبب في الضغط على سعر الريال في عقود الصرف الآجلة، وهو أمر كان من الممكن تجاوزه بقليل من التمهيد الإعلامي، والتصريحات المتخصصة، أو المؤتمرات الصحفية. تحوّل الشأن المالي السعودي، في فترة وجيزة، إلى مادة دسمة في الإعلام الغربي، والمحلي، ما سمح بطمس الحقائق وإبراز الشائعات التي تحولت مع مرور الوقت إلى حقائق لدى عامة الشعب، يُذكيها المتشائمون، ويستغلها المتربصون في الخارج. تقضي الشفافية المطلقة، وبخاصة في الشأن المالي، على الشائعات، وتساعد في ترسيخ الثقة بين المؤسسات الحكومية والعامة من جهة، وبينها وبين الإعلام والمختصين من جهة أخرى، في الوقت الذي تسهم فيه احترافية التواصل الإعلامي في إيصال رؤية الحكومة بدقة وكفاءة وإيجابية للمتلقين. يبدو أن علاقة المؤسسات الحكومية مع الإعلام في حاجة إلى مراجعة شاملة تسهم في تحقيقها معايير الاتصال الفعّال. أعتقد أن آلية التعامل في هذه المؤسسات مع وسائل الإعلام لم تصل حد الاحترافية بعد، وهذا يؤثر كثيراً في مؤشر التواصل مع المواطنين، ويضعف من ثقتهم، ويتسبب في إحباطهم، ويسمح للمتربصين باستغلال بعض الحقائق لبناء طودٍ من الشائعات. نحن في أمسّ الحاجة إلى مراجعة آلية تعامل الوزراء ومحافظي المؤسسات الحكومية والمسؤولين مع الإعلام الذي تحوّل إلى صناعة تتطلب الاحترافية التامة ليس في الشأن الإعلامي فحسب، بل في مختلف القطاعات والتخصصات التي تعين المتحدث الحكومي على إيصال رسالته بشفافية ودقة ووضوح.