منذ شهر سبتمبر من العام الماضي 2014، كانت كثير من المعطيات الاقتصادية تجري بخلاف ما اعتاد عليه جمهور المتابعين في السنوات العشرة الماضية، خصوصاً المهتمين في الاقتصاد ومعطياته، حيث بدأت أسعار النفط في سبتمبر من العام الماضي 2014 بالتراجع بشكل قوي حتى خسر برميل النفط نصف قيمته متأثراً بعوامل رئيسية أهمها تطور تقنيات الإنتاج للنفط الصخري، وأيضاً تذبذب مستويات الطلب والعرض في الأسواق العالمية، فكان التراجع هو المحصلة النهائية لاختلاف المعطيات. ونظراً لارتفاع اعتماد البلاد على إيرادات النفط ووزنه في سلة مجموعة إيرادات الدولة، ارتفع مستوى القلق لدى المتابع من ما سيكون عليه الحال، خصوصاً وأننا تمتعنا في سنوات مضت بفوائض مالية ضخمه، وإيرادات كبيرة، ساهمت في رفع احتياطيات الدوله إلى ما يتجاوز 2.8 تريلون ريال سعودي، وأيضاً ساهمت الإيرادات الكبيرة وفوائضها في تقليص حجم الدين العام للمملكة حتى بات أقل من 45 مليار ريال ممثلاً ما لا يزيد عن 1.6 % بمقارنته مع الناتج المحلي. وهذه كلها مكتسبات حققتها البلاد في سنوات الرخاء والإيرادات العالية، فقد سجلت حكومة المملكة العربية السعودية من العام 2007 وحتى نهاية العام 2014 إجمالي نفقات تجاوزت قيمتها 6 تريلونات ريال بمقابل تحقيق البلاد لفائض في ميزانيتها تجاوز 1.5 تريلون ريال خلال نفس الفترة. اعتدنا خلال السنوات الماضية الاستماع في الميزانيات الحكومية إلى حجم الإيرادات والمصروفات الفعلية لاحتساب الفوائض، ومن ثم نصغي لأرقام زيادة الإنفاق الحكومي للسنة المالية التي تليها دون حاجة البلاد لإصدار أدوات دين، أو حتى لم يكن لها حيز في كثير من النقاشات الاقتصادية. ومع اختلاف الظروف، وعودة حكومة المملكة العربية السعودية لإصدارات سندات لتغطية عجز الموازنة أو النفقات الحكومية، بدأت تغطية هذه الإصدارات والتعاطي معها يثير نوعاً من الإرباك أو عدم الوضوح لدى المجتمع الاستثماري، أو المهتمين بالتعاطي مع المعطيات الاقتصادية، كون هذه الإصدارات هي في المقام الأول موجهه للبنوك السعودية، والجهات الحكومية القادرة على الاستثمار في مثل هذه الأصول، وهذا ما أشعر المهتمين بأن قد يكون لهذه الإصدارات أثر على القدرة البنكية في أداء مهامها الرئيسة من إقراض وخدمات بنكية، وأن لهذا أثر على حجم الأرباح المتوقع تحقيقها في القطاع المصرفي، علماً بأنه تاريخياً مرت البلاد بظروف كان الدين العام فيها يتجاوز 100 % من حجم الاقتصاد، ومع ذلك استمرت البنوك في تحقيق نمو في التعاملات والأرباح. وبنهاية العام 2014 كان حجم الودائع لدى القطاع المصرفي تجاوز 1.6 تريليون ريال، وحجم محفظة الإقراض لدى البنوك قد تجاوز 1.2 تريليون ريال وهذا لا زال يعطي فسحة للبنوك لمواصلة عمليات الإقراض نظامياً، بينما البنوك السعودية في وضعها الحالي وأرقامها المحدثة تشير إلى أن حجم النقد المتوفر لدى البنوك بعد صافي قيمة الوديعة النظامية التي تطلبها مؤسسة النقد العربي السعودي يتجاوز 100 مليار ريال، وهو رقم كافٍ لتغطية حجم الإصدارات المتوقعة للعام الحالي بحسب ما أشارت التقارير سواء المحلية أو الدولية، وتبقي هذه القدرة للدولة حق الاحتفاظ باحتياطياتها النظامية عند أعلى قدر ممكن ما يتيح لها تصنيفاً ائتمانياً مرتفعاً يخفض تكلفة الاقتراض على الدولة. وفي جانب آخر، فإن هذه الإصدارات تعتبراً أداة استثمار إضافية أتاحتها الظروف الاقتصادية للبنوك لإعطاء فرصة للتعامل الأمثل مع حجم النقد الفائض في القطاع المصرفي. ورغم هذه التحديات الاقتصادية الصعبة التي دفعت الحكومة نحو سوق الدين، إلا أنه حتى وإن تطلب الأمر استغلال كافة الفوائض النقدية لدى البنوك في الإصدارات الحكومية من السندات لن يؤثر هذا على الكفاية المالية في القطاع المصرفي حيث أن نسبة الكفاءة المالية في القطاع المصرفي السعودي في السنوات الخمسة الماضية بلغت 17.8 % وبهذا الرقم تكون البنوك السعودية قد حققت أكثر من ضعف متطلبات الكفاية المالية المطلوبة في بازل 3 عند 8 % وكذلك فهي من حيث الكفاية المالية أعلى في التغطية من البنوك العالمية الكبرى مثل جي بي مورغان ومورقان ستانلي وويلس فارقوا حيث كان متوسط الكفاية المالية للبنوك الثلاثه 15 %.