حينما ولد على حين غرة من هجر أبيه لأمه، وما نشب من خصام كان الفتى يعتد بعصامية أمه، وقوتها الناعمة، وصبرها في مجابهة أبيه.. ظل يعتقد بأن هذا الدلال الذي ينهمر عليه هو الحياة بكل تفاصيلها، فاستمرأ أن يكون منساقا، براءاته الأولى أن كل شيء هو دلال الأنثى حتى أصبح بين زمرته من الصغار متشنجا ومتفيهقا ومفسدا لأي لعبة من الألعاب، أو خصما مزعجاً لا يقبل الآخر أو يتفاعل معه إلا من خلال أنه أثير بكل شيء حتى لما هو عند الآخرين. في الصف يصفقون لفائق الدلال، تحاشياً لبكائه، أو توبيخ محتمل أن اعتزم على الشكوى منهم لأي سبب حتى وإن كان بسيطاً.. ليتعاظم أمره المزيف وتتحول هذا التعزيزات له إلى ما يشبه حالة الانجذاب نحو.. ففي الخارج يهيلون على مسامعه عبارات التبجيل، يكثرون التودد إليه وإطراءه حتى يزداد زهواً ودلالاً. حينما خرج من مرحلة إلى أخرى لا تزال توصيات الأم المبالغ فيها غالباً تحفه من كل مكان، فلم يعد الفتى قادراً على فهم الحياة من حوله إلا بصعوبة، لكن هناك من يداريه ويهادنه حتى تولّد لديه هذا الشعور بأن تكون طموحاته كألعابه فوق الجميع. حينما استفحلت ذات الفتى سوءا وغطرسة وتعاليا فوجئ الجميع بمعلم الصف يركض خلفه ويسكب له التحية بشيء من التزلف، حتى النساء أسبغن عليه من كرم العاطفة ما عجز عن حمله، ليسقط في براثن مرض (الأنا) الخطير، بعدها تهاوت روحه، ومات كل شيء في حياته.