سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أتحول في رمضان إلى وتر مشدود قابل للعزف عند مرور أية نسمة وأصير شفافة حد البكاء تحب أن تقرأ في الشهر الكريم كتاب الكون والتأمل الروائية الاردنية سحر ملص:
قالت الروائية الاردنية سحر ملص عن شهر رمضان: «رمضان هو الشهر الذي تتفتح فيه كوة ما بين السماء والأرض حيث تتجلى الرحمة الإلهية في عليائها لتحنو على أهل الأرض، تمحو خطاياهم، تسمع تهجدهم، وبكاءهم، ترحم قلوبهم». الروح تتجلى وربطت ما بين رمضان والأشهر الأخرى بقولها: إذا كانت الأشهر العادية عبارة عن ركض محموم حول شهوات الجسد وإرضاء كل رغباته في عالم مادي فإن رمضان هو الشهر الذي يكف فيه الجسد عن لهاثه لتتجلى الروح بأسمى معانيها، ولكي يكف الطين عن عطشه لكل ماء يتشقق شوقاً لخالقه. أبث نشيجي وشكواي ونوهت ملص لاختلاف القراءة برمضان بقولها: نعم إذ يذوي الجسد وتضعف معه قدرتي فأتحول إلى شجرة خريفية ضعيفة فآوي إلى ظلال سدرة المنتهى أبثها نشيجي وشكواي، أتسامى عما هو أرضي، أقرأ القرآن، وأقرأ أشياء خفيفة، لكن ما أحب أن أقرأه في كل رمضان هو كتاب الكون والتأمل أسرع إلى غابتي أستمع إلى حفيف الشجر المقترن بالموسيقى الأزلية حيث الايقاع الجميل لتراتيل القرآن، ألمح طاغور، وألمح نُساكا شتى تتجول أطيافهم هناك فأحن إلى أن تسبح روحي تحت شجرة لوز مزهرة. الموائد وكسرة خبز وقالت ملص عن طقوسها في رمضان: لكل مبدع طقوسه الخاصة أما أنا فأرقب الوجوه الذابلة التي أتعبها ترك الشهوات، أرقب الركض المحموم للناس حول الموائد في الوقت الذي يتلصص جياع الناس على كسرة خبز. وأضافت: لكن ما ألاحظه بالنسبة لي شخصياً أنني أتحسس من الورق وقت الصوم مع أن نفسي تتحول إلى وتر مشدود قابل للعزف عند مرور أية نسمة وأصير شفافة حد البكاء. أحب لحظة الافطار وأضافت: القهوة هي عطشي الأزلي، القهوة والياسمين الدمشقي أعبئ روحي برائحة الياسمين وأحتسي بعد الأفطار قهوتي وكذلك عند السحور. ويطيب لي أن أتجول وسط المدينة في عربتي لحظة الأفطار وهرولة الناس إلى بيوتهم آنذاك أنطلق بالغناء لفيروز: «وين صواتن وين وجوهن وين»، وادرك ان الناس قد ركبوا عربات الطعام وهربوا بالنسيان دون أن يتركوا لي المفاتيح، وانما صوت الريح الصافرة بقسوة، وفي هذا الرمضان يصادف أني وحيدة أسكن في الطابق الرابع في شقتي المتاخمة للسماء حيث أطل على المدينة قرب الجامع وذاك يعني أني سوف أترك الناس يغرقون في اختلاس طين شهواتهم بينما ارحل الى الينبوع وميض النور حيث الحب الأزلي، فمن منكم يمر بنافذتي سيرى طيف امرأة تناجي خالقها . طعام الأمهات وذكرت عن رمضان أيام زمان: كان يا ما كان .. كان في عمان مدينة جميلة بيوتها قليلة وحبها كبير، مدينة الحب الأخوي بقلبها النابض الذي يجعل الغني يعطف على الفقير فكان الناس يتزاورون في رمضان ليس من أجل التسلية ولكن من أجل تفقد الأحوال، وإعطاء كل ذي حاجة وكانت أطباق الطعام يتبادلها الجيران دون حواجز ولم يكن هناك خادمات «فلبينيات» أو «سيرلانكيات»، يطهون الطعام بل الأمهات بكل ما تجود به عبقريتهن ... طعام بسيط لذيذ الأطفال يحملون قطع القمر الدين يتجلد ريقهم بانتظار مدفع الإفطار الذي يطلق وقت آذان المغرب من جبل القلعة. النعناع ولفة القطايف واستطردت: وصوت طبل المُسّحر الذي يوقظ الاجساد الغافية، ورائحة المطر ..، يستيقظ الناس بحثاً عن لقيمات يسدون فيها خواء البطون، عصراً يرجع الآباء يحملون ضمم النعناع ولفة القطايف برائحته الزكية فتسرع الأمهات إلى المطابخ وسط «قرقعة الصحون»، وأبخرة الطعام بانتظار اللحظة الحاسمة، وقالت «كان لرمضان روح تمشي في المدينة، وكان هناك عجوز اسمها البركة تبارك كل ما يجري فيها». استعراض لموائدنا وحول السؤال ما الذي اختفى من ذكريات تلك الأيام قالت: بل قل ما الذي بقي من ذاك الزمان، صار رمضان الآن استعراضا لموائدنا، ارتفعت الرحمة، ظهرت الفضائيات التي بعضها يتبارى في استعراض خلاعة الغانيات، غرقنا في شهوات البطن حتى التخمة، نسينا المعنى الأساسي للرمضاء ورمضان والتطهير الدوري! انها روح رمضان المتحضرة حيث لم يبق منه سوى طقوس يؤديها البعض والبعض يتذمر من الشهر! بائع الحليب وذكرت ملص عن مواقف طريفة حدثت معها في رمضان: كنا أطفالاً، وكان هناك رجل يوزع الحليب على البيوت فجر كل صباح، وكان يطرق الأبواب في رمضان وقت السحر كي يشرب الناس حليباً طازجاً، وكان آخر يوم في رمضان، وانتظرنا العيد لكنه لم يثبت هلال شهر شوال، وعند الفجر جاء البائع فأسرعنا نأخذ منه حاجتنا، وإذا به يحل كوب الحليب ويشربه مما أذهلنا ونحن نصيح لكن اليوم «رمضان»، ضحك ثم قال ثبتوا العيد متأخراً وكل عام وأنتم بخير. مواقف محزنة وتحدثت عن المواقف الحزينة فقالت : كانت شرفات عمان تمتلئ عند الغروب بعيون متلصصة ترقب انطلاقة مدفع رمضان من على قمة جبل القلعة، وكنا أطفالاً ننتظر ذاك الدخان الأسود الذي ينطلق ليتبعه صوت مدو «بو» فينطلق صياح الاطفال ضرب المدفع «هي»، ويتراكضون إلى الموائد مثل قطط صغار يبحثون عن الطعام. ذاك المساء تأهب الرجل الذي يطلق المدفع ليبعث فرحاً في نفوس الناس، قال لزوجته وأطفاله انتظروا سأطلق المدفع ثم سآتي مسرعاً لأنضم اليكم .. نظر إلى ساعته مشى خطوات باتجاه القلعة، تطلع إلى عمان .. شعر بنشوة وهو يدرك أن مجرد إطلاقه للمدفع يعني سريان نشوة وسقوط قيد الصوم عند المساء، أسرع يجهزه.. تطلع إلى مآذن عمان .. طيور المساء حلقت مسرعة ثم آوت إلى أعشاشها، ثمة شفق وردي اللون في الأفق، ابتدأ صوت المؤذن ينثال من على قمة المئذنة، الله أكبر .. أدخل القذيفة إلى بطن المدفع .. مد يده، أطلقه .. وانطلق الموت الشبح .. الرعب.. انفجرت القذيفة بصاحبها.