لقد عاش الأخ الكريم عبدالله بن علي بن عبدالله بن صقيه وحيداً.. الذي يُعد من كبار فحول شعراء الشعر الشعبي في عصرنا الحاضر متانة وجزالة لفظ ومهارة وصف الذي مرّ في حياته مروراً عابراً لم يستمتع بملذاتها ومتعها الخاصة بالحياة الزوجية وقرة العين بالبنين لانشغاله بإفراغ ما تجود به قريحته من جيد الأشعار مبكراً، مما كون لديه أسفاراً من دواوين جيدة السبك يربو عددها على ثمانية أجزاء مطبوعة قام بإهداء معظمها إلى أصدقائه ومعارفه، فهو -رحمه الله- عفّ اللسان لا يصرح ولا يذكر شخصاً بعينه، وإنما يكتفي بالتعريض والإيماءات اللاذعة -أحياناً- ويغلب على أشعاره وقصائده طول النفس، والحث على المكارم وسمو الأخلاق، وعلو الهمم، وطول الباع في سرد الملاحم الشعرية بصوته الجهوري المميز الذي لا يشوبه تلعثم ولا توقف أثناء إلقاء ما تجوش به نفسه مرتجلاً، فكل الحضور يكون منصتاً لبيانه، وعمق معانيه، فهو يغرف من نبع ثَرّ من ملكته الفياضة شِعْراَ،ولقد ولد عام 1356ه ببلدة الصّفرات الواقعة شمال محافظة حريملاء وشرق محافظة ثادق وترعرع في أحضان والديه، وعاش حياته في تلك البلاد، وبين هاتيك الجبال الشامخات المواكث إلى أن تكون كالعهن المنفوش يوم يبعث الله جميع الخلائق، مما كان لتلك البيئة ومشاهدها القاسية من تجليات في أسلوبه القوي المميز، فالبيئة الإقليمية أو القومية التي تحيط بالإنسان في أي مكان لها سِمَتها وطابعها الخاص، على حين أن الحياة في البلدان الساحلية المطلة على البحار قد يختلف تأثيرها على ساكنيها بهدوء الطبع ولين الأسلوب، والميل إلى حسن التآلف، وتجنب ما يثير كوامن النفوس، فحياة الشاعر عبدالله بن صقيه منذ مقتبل عمره تتصف بالاعتداد بالنفس، وبالكرم والفرح بمن يؤمه في بلده من وجوه المجتمع، والشعراء، ومعارفه عموماً، وقد شيّد مجلساً رحباً يزيد طوله على ثلاثين متراً، وحوله عدد كثير من الجمال كبيرة وصغيرة وخلفات ذات الحليب الوفير لذيذ المشرب، يقدمه لضيوفه، ولعابري السبيل، ومن شدة ولعه في اقتناء الخلفات الأصائل إذا ذكر له شيء من ذلك فإنه ما يلبث أن يشد الرحال إلى جهتها -وإن بعد مكانها- حتى يشاهدها ثم يشتريها ولو غلا ثمنها، فيضمها إلى أحواش إبله، - حبيب إلى الزوار غشيان بيته - وأجمل وأبرك ما تركه عمارة كبيرة بالرياض أوصى بها وجعلها وقفاً له ولوالديه، كما أوصى بجزء من ريعها على الاعتناء بمزرعته وفسائل النخيل وسقايتها وجميع ما تحتاج إليه من نفقات، ومن جانب آخركان له إلمام بعلم الأنساب، ويحفظ المطولات من عيون الشعر الشعبي وتلذ الأسماع لصوته المدوي عبر الإذاعة ومكبرات الأصوات. وقد عمل رئيساً لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بإقليم المحمل، وكان مهيباً ومخلصاً في أداء عمله ليلاً ونهاراً، ومحبوباً لدى زملائه أعضاء الهيئة وأبناء البلد عموماً حاثّاً أن يكون التعاون بينهم مستمراً فيما يعود على أمن البلاد وحسن السمعة، والحمد لله الأمور تسير سيراً حسناً في ظل ولاة الأمر -أعزهم الله بطاعته- ولقد شارك في مهرجانات الجنادرية السنوية عبر منبر الخطابة بعدد من الملاحم الشعرية جيدة المعاني ضافية الأخيلة التي أكسبتها روعة وجمالاً، ونالت إعجاب الحضور فاستحق التكريم. كما كان يحظى بتكريم أمراء وشيوخ دول الخليج له حينما يلبي دعواتهم ويشرف بلادهم لمكانته العالية في نفوسهم، حيث يشنف أسماعهم وأسماع الحضور من وجهائهم بغر قصائده التي يُشمُّ في نبراتها روح الشهامة وعزة النفس، فلذا هو محل الاحترام والإعجاب والتكريم.. حيث حل، ولقد أهداني مجموعة من دواوينه الشعرية التي توجت بتقديم وإشادة بشعره الجزل من عدد من المشايخ الفضلاء والأساتذة الكرماء: الشيخ العلامة حمد بن محمد الجاسر، والشيخ/ عبدالله بن محمد بن خميس، والشيخ/ أبوعبد الرحمن بن عقيل الظاهري، والأستاذ فهد بن علي العريفي، والشاعر أبو نواف عبدالرحمن العطاوي، والشاعر معيض البخيتان، والأستاذ محمد إبراهيم عيد، وغيرهم من الأدباء، وكان التواصل بيننا وبينه على فترات حتى قبيل وفاته بشهرين في منزله -رحمه الله رحمة واسعة- ولقد قضى شبابه وعمره بالترحال وتبادل الزيارات مع أحبته ومعارفه من الشعراء والأدباء، وبإطالته الترنم بأشعاره في سفوح وقمم جبال بلاده (الصفرات) وكأن بينه وبينها وشائج قربى ومودة مستديمة يستوحي منها شعره فينهال من فوق هضابها كالجلاميد الصلبة قوة ومتانة على تلك الحقول الخضراء من مزارعه الحافلة بشتى أنواع النخيل والأشجار الوارفة الظل. ويطيب لي ذكر قول الشاعر الفرزدق / في رثائه لأخيه حيث يقول: رحم الله شاعرنا الكريم/ عبدالله بن علي بن صقيه وأسكنه فسيح جناته وألهم أسرته وأبناء عمومته ومحبيه الصبر والسلوان. عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف - حريملاء