منذ أن بدأت مفاوضات النووي الإيراني بين الشيطانين الأكبر والأصغر والحديث يدور حول تخلي الولاياتالمتحدة عن حلفائها في الخليج، وأن إيران ستكون شرطي المنطقة. وقد عبَّر عن ذلك بوضوح الصحفي الفلسطيني «الكاره لكل ما له علاقة بالخليج» عبدالباري عطوان؛ فقد قال إن حكام الخليج سيصبحون «ولاة» تابعين لطهران!! ويخفى على عطوان وغيره أن كل ما يحدث في منطقتنا له علاقة بالمصالح، والمصالح فقط، ومصلحة إسرائيل، التي تسيطر على القرار السياسي الأمريكي في منطقتنا، هو أن لا تملك أي دولة في الشرق الأوسط سلاحاً نووياً، ويضاف إلى ذلك أن السياسة الأمريكية تسير وفق مخططات، مبنية على استراتيجيات، بغض النظر عمن يتسنم سدة الرئاسة، وهذا لا ينفي تأثير الرئيس القابع في البيت الأبيض على بعض السياسات، فمثلما أن جورج بوش الابن كان يميل لحل الأزمات بالقوة فإن باراك أوباما رجل سلام، ولا يؤمن باستخدام القوة إلا عند الضرورة القصوى. لا أحد يعرف التفاصيل الكاملة للاتفاق النووي، والتصريحات التي تصدر من طهران لا يعول عليها؛ فمعظمها مناورات إعلامية، ومن يحكم إيران فعلياً هو المرشد الأعلى علي خاميني؛ فهو الذي قدم أحمدي نجاد للعالم، عندما كان الأمر يتطلب مواجهات وتحديات ومشاكسات، ثم قدم روحاني الدبلوماسي الهادئ، وصاحب التعليم الغربي، عندما قرر أن الوقت قد حان للتفاهم مع الشيطان الأكبر، ولا يصح أن يعتقد أحد أن الاتفاق النووي من صالح إيران، كما يروج أعداء الأنظمة الخليجية، وبالذات تنظيم الإخوان المسلمين، الذين يبالغون في رسم إيران في صورة المنتصر، فمن غير الممكن أن يتفق طرفان، ويكون الاتفاق في صالح الطرف الأضعف؛ فهذا مخالف للنواميس البشرية، وربما لو كان الخميني حياً لصرح بأنه يتجرع السم نتيجة لهذا الاتفاق، ولعل المستقبل يحمل مفاجآت ليست في حسبان أحد. ثمة نقطة جديرة بالتنويه، فإيران تواجه ضغوطاً هائلة في الداخل الإيراني، ويعلم حكام طهران أنهم قد يواجهون مشاكل جمة، نتيجة لتردي الحالة الاقتصادية؛ وبالتالي فإن إيران قد تكون قد تنازلت عن الكثير في سبيل توقيع الاتفاق، ورفع العقوبات الاقتصادية عنها، ويظل الأهم هو أنها ستكون تحت مجهر المراقبة الأمريكي، وهذا يصب في صالح دول الخليج. وأياً يكن الأمر، فإن الأفضل هو التعامل مع الواقع بسياسة فن الممكن؛ لأن ما عدا ذلك سيكون مجرد مضيعة للوقت، ثم لنتذكر أن أمريكا لا يمكن أن تسمح لأي قوة منفردة أن تتحكم بالخليج، الذي يعتبر أهم مصادر الطاقة العالمية، وبالتالي فإن الزعم بأن إيران ستكون شرطي الخليج، والتخوف من ذلك، هو زعم غير منطقي، فتوقفوا عن الإرجاف!