حين تكونُ مُصوِّرًا وتجد أنكَ كَبُرْتَ في أرضٍ مكسوَّةٍ بالرمالِ فلا بُدَّ ستنصِتُ بآلتِكَ الصغيرةِ إلى (همساتِ الرمال). ستقِفُ ب (أبواب) الصحراءِ الشاسِعَةِ، وأبواب الإنسانِ الموصدةِ والمفتوحَةِ كي تلتقِطَ تفاصيلها الفنيةَ الأصيلة، التفاصيل التي تشدُّكَ دائمًا نحوها وكأنها تسلُبُكَ من الفراغِ إلى المعنى، ومن العتمةِ إلى ضوضاء النور، فتفتحُ عدستَكَ وتلتهِمها، كي تراها، وتُريها، وتنفتِحَ معها على تأويلاتِها العديدةِ المديدة.. هنا فقط تتشكل رؤيتك ومقاربتك الجمالية عن هذا الجزء المهيب من الطبيعة المدهشة. وحين ترفَعُ رأسَكَ صوب الأعلى، أو أقل بقليلٍ، تنفَذُ إلى (نوافِذَ) كثيرةٍ لا يمكن أن تشبه نافذةٌ أختها، نوافذَ تُرصِّعُ الجدران كي تخونها، لتصل إليكَ، أو ربما كي تصلَ إلى المدينة المزدحمة، أو الحي القديم، النوافِذ التي تختلفُ في كل شيءٍ سوى أنها تسمحُ للضوء والقمرِ والنسيم وعينيكَ أن تعبرها وتنفذ منها نحو ما تحجب من أسرار. وحين تسيرُ وحدَكَ أو مع صديقك، تُطرِقُ أرضًا، فتعثر على (وردة الصحراء) المدهشة، تسلطُ الضوء عليها كي تقطفها بصورةٍ دقيقةٍ تُبرزُ تفاصيلها المبهرة التي شكلتها الريحُ والفصول المتعاقبة على الصحراء، تشعُرُ وكأنَّ وردةً واحدةً منها لا تصلُ إلى جمالِ التوليبِ المزدهر في أوروبا، فهذه الوردةُ النادرةُ لا تجد من يسقيها، ورغم ذلك تعثرُ عليكَ في تجوالِكَ ممتنةً لاقترابك. إنَّ عدسةَ المصور المهندس محمد بابللي، قد فعلت هذا كله، وربما أكثر، وذلك عبر أربع تجارب ضوئيةٍ تم نقلها في أربعةِ كُتبٍ صغيرةٍ كثيرة المعاني والصور، جاءت عناوينها: (همسات الرمال)، (أبواب)، (نوافذ)، (وردة الصحراء)، في أربعِ لغاتٍ: (العربية، الإنجليزية، الفرنسية، الألمانية).. يقول المصور محمد بابللي في أحد اللقاءات الصحفية: «كل مصوِّر له أسلوبه وجميعًا نكمِّل بعضنا». إنَّ التصوير في مفهومِ بابللي هو رؤيةٌ جزئيةٌ تؤلِفُ حجرًا نادرًا مختلفًا وخاصًّا في لوحةِ فسيفساء عظيمةٍ، وإن لكلِّ مصوِّرٍ - بما يتمتعُ به من قدراتٍ وإمكانياتٍ - بصمته الوحيدة التي تصوِّرُ هذا العالم المترامي الأطراف، وإنَّهُ بدوره سعى دائمًا إلى إبراز جماليةِ البيئة الصحراوية التي عاش فيها، والتي يؤمِنُ بأنها لم تَصِل بعدُ إلى فهم الجميعِ وجغرافية الذاكرة البشرية جمعاء. ولأن لكل فنانٍ رسالته الهادفة، فإن رسالة بابللي تتلخصُ في نقلِ هذا الإرث الجمالي الكامنِ في معالم البيئة الصحراوية للجزيرة العربية، إلى العالَمِ الآخر والشعوب الأخرى من خلالِ الآلة السحريةِ الضوئية، التي تمنحُكَ كل شيءٍ في لقطةٍ واحدة.. إن المهتمَّ بتضافر الصورةِ واللغةِ الشعرية لا يمكن أن يمر على مجموعة المصور محمد بابللي دونَ أن يقفَ مُطوَّلاً على الأبواب والنوافذ الكثيرةِ منصتًا بكل حواسه إلى همسات الرمالِ وورود الصحراء الأخاذة.. متمعِنًا في التفاصيلِ، ضائعًا فيها، ممسكًا مفرداتٍ جديدة للمعنى..